حنان يوسف

الإعلام وقيمة العمل والمتغيرات الدولية

الثلاثاء، 04 فبراير 2025 12:31 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تشهد المنطقة العربية الآن العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية وهذه التغييرات الكبرى التى يشهدها العالم الآن أدت إلى التأثير على وضعية العمالة العربية وما تشهده أسواق العمل العربى من، حيث إدارة قضية العمالة العربية فى إطار عملية التكامل الاقتصادى والاجتماعى العربى، ‏ وتطوير الآليات العربية بما يخدم تلك الأهداف،‏ فالعمل ليس سلعة بل هو حق للباحث عنه وواجب على القادر عليه، وإن من حق القوى العاملة فى الوطن العربى أن تعمل فى ظروف وشروط ملائمة تتفق مع كرامة الإنسان العربى، إيماناً بأن لجميع البشر الحق فى السعى وراء رفاهيتهم المادية والروحية فى حرية وفى ظروف قوامها تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وإن وحدة القوى العاملة فى الوطن العربى تمثل إحدى الدعامات الأساسية للوحدة العربية.


لقد برزت مشكلة كبرى خلال عقدى الثمانينات والتسعينات فى معظم الدول ومن ضمنها الدول العربية تتمثل فى انتشار التعليم وتوسعه وزيادة عدد خريجى المراحل التعليمية المختلفة، غير أنه غالبا ما يتجاوز هذا النمو الكمى للخريجين لفرص العمل المتاحة، الأمر الذى أفرز ما يعرف بـ"بطالة المثقفين" حيث تبين عدم التوازن بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات التنمية، وأصبح الخريجون يواجهون مشكلات البطالة أو القبول بعمل أدنى من مستوى تحصيلهم الدراسى أو بعمل لا يتناسب مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم.


ومن ثم لا بد من تعزيز الشراكة والارتباط بين التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل لأن التعليم والتدريب المهنى وسوق العمل قطاعان لا يمكن الفصل بينهما فى سبيل تحقيق أهداف التنمية الشاملة، كما أن النظم والهياكل التنظيمية للتعليم والتدريب المهنى وفلسفاته وسياساته السائدة ومناهجه متفاوتة فى تطورها من دولة عربية إلى أخرى، إلا أنها على العموم لم تصل إلى مستوى التطور المناسب لمواجهة الواقع الجديد لسوق العمل واحتياجاته المتغيرة، ما يعيق توجهات الارتباط والشراكة بينهما، كما أن سياسات العمل والاستخدام المعمول بها حاليا لم تحقق الاتصال والتواصل بين مؤسسات سوق العمل من ناحية ومؤسسات التعليم والتدريب المهنى من ناحية أخرى، الأمر الذى يتطلب عقد حوار حول آليات العمل المناسبة لإحداث الشراكة والمواءمة بين سياسات التعليم والتدريب المهنى والتقنى ومتطلبات سوق العمل للحد من تفاقم مشكلات البطالة.

المهن..
لا يزال المناخ الاجتماعى السائد فى المجتمعات العربية يلعب دوراً كبيراً فى التأثير على نظرة أفراد المجتمع نحو بعض المهن، ما يعكس مؤشراً مؤداه أن فى المستقبل القريب سوف تختفى بعض المهن تماماً أو يقوم بها السكان غير الأصليين.


- أحد مؤثرات اتخاذ القرار بامتهان بعض المهن هو الحافز المادى فالأسباب المادية ظهرت كعامل مؤثر فى رفض بعض المهن نظراً لأن دخلها لا يستطيع أن يفى باحتياجات الفرد.

وهناك استمرار ظاهرة تفضيل الشباب لأعمال نمطية وعدم احترام العمل اليدوى أو الحرفى حيث أكدت العديد من الدراسات السوسيولوجية عزوف الشباب العربى عن الالتحاق بالأعمال اليدوية لوطأة العادات والتقاليد التى تجعل العمل اليدوى فى أسفل السلم المهنى فضلا عن انتشار المفاهيم السلبية عن الأعمال الحرفية واليدوية، وقد أدى ذلك إلى عدم احترام أفراد المجتمع لها وفى المقابل تقديرهم واحترامهم للأعمال الذهنية والمكتبية ولا تزال مؤسسات المجتمع المتمثلة فى (الأسرة - المدرسة - وسائل الإعلام) تلعب دورا سلبيا فى بث قيم العمل لدى الشباب والنشء.

- فوسائل الإعلام بكافة وسائلها المسموعة والمقروءة والمرئية لديها قدرة كبيرة فى دفع أفراد المجتمع إلى المشاركة الحقيقة فى شتى مجالات سوق العمل أو دفعهم للإحجام والسلبية وتشير معظم الدراسات الإعلامية إلى أن الأعمال الدرامية التليفزيونية يمكن أن تكون أداة مساعدة على تحسين صورة بعض المهن لدى الجمهور وتشجيعهم على الالتحاق بها ورفع مكانتها الاجتماعية وهيبتها فى المجتمع إذا ما قدمت هذه المهن بصورة إيجابية أما إذا كان العرض الدرامى يقدم المهن بشكل سلبى فإنه يكون أحد عوامل نفور الجمهور من هذه المهن وتقليل هيبتها بل قد يصل الأمر إلى حد احتقار بعض هذه المهن كما تؤثر الأعمال الدرامية بشكل خاص على الشباب المقبلين على مراحل تعليمية عالية لأن الأعمال الدرامية جعلتهم يحتقرون هذه المهن ولا يقدرونها. وتكمن الخطورة فى أن المسلسلات العربية والأعمال الدرامية قد تشوه مهنا معينة يكون المجتمع فى حاجة إليها وما نعيشه الآن يعطينا مثالا على ذلك فالمجتمع يفتقر الآن إلى وجود الحرفيين والفنيين المدربين.


وحين تعرض وسائل الإعلام مهن الحرفى والعامل الفنى بشكل سلبى مصاحبة بسمات سلبية تجعل أكثر الناس موضوعية يحكمون على هذه المهن بأنها تقلل من مكانة وشأن من يعمل بها.
وقد توصلت العديد من الدراسات إلى أن الجمهور يختار للأبناء المهن التى رأوها تعرض بشكل جيد وإيجابى فى وسائل الإعلام.


- وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية تتسم بكونها مجتمعات زراعية إلا أن هناك دراسة تشير إلى أن نسبة من عينة الدراسة من المبحوثين بواقع 67.5% رفضوا العمل بمهنة الفلاحة ولعل ذلك يرتبط بالصورة الذهنية التى شكلتها وسائل الإعلام لتلك المهنة حيث خلصت إحدى الدراسات الإعلامية التى حللت صورة الفلاح فى الدراما التليفزيونية أن المعالجة الدرامية لصورة الفلاح تنحصر فى عدة اتجاهات ومنها:
السخرية من الفلاح ومن ارتقائه واستعلاء أهل المدينة عليه.


التركيز على صور الشقاء والبؤس لدى الفلاح.


ما يكون صورة ذهنية لدى النشء والشباب عن هذه المهنة أدت إلى عزوف الأغلبية العظمى من الشباب عن الالتحاق بالتعليم الزراعى وكليات الزراعة وتعانى كليات الزراعة فى مصر مثلا نقصا شديدا فى إعداد طلابها.


ويلاحظ بشكل عام أن مشكلة العزوف عن التعليم الفنى والمهنى ليست مقصورة على مجتمع عربى دون آخر، حيث تعانى معظم المجتمعات العربية من نفس الظاهرة وذلك بسبب تشابه الظروف الاجتماعية والثقافية وتشابه خطط وبرامج التعليم والسياسات التنموية العامة.


وحيث إن النظريات الاقتصادية تعتبر العمل "قيمة فى حد ذاته" بل ومن أهم القيم وعليه تتأسس وتنظم وتستمر الحياة الإنسانية، وبالتالى يمكن أن ندرك إلى أى حد يمكن أن يؤدى إلغاء أو تجميد "قيمة الأعمال اليدوية أو الحرفية" إلى تقويض أسس وجود واستمرار المجتمعات العربية على المدى البعيد وبالتالى لابد من إعادة النظر فى النظرة الدونية للحرف التى تقدمها الدراما على أنها ساذجة وجاهلة. وهو ما يحتاج إلى تنمية الموارد البشرية العربية للاستفادة من طاقاتها الكاملة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تخطيط القوى العاملة، تطوير الاستخدام ومكافحة البطالة بجميع أشكالها، وتيسير تنقل القوى العاملة العربية داخل الوطن العربى.


وهو ما يتطلب تكاتف جميع الجهود الحكومية وغير الحكومية وفى مقدمتها دور الإعلام وأدوات الوعى فى ترسيخ قيمة ومفهوم العمل اللائق فى المجتمعات العربية وفق المعايير الدولية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة