رغم مرور أسابيع على وقف الحرب فى غزة، والسير باتجاه صفقات تبادل المحتجزين والأسرى، يبقى الاتفاق محاطا بالتوتر واحتمالات أن ينهار فى أى لحظة بسبب التعنت من الطرف الإسرائيلى، والضغط باتجاه جرائم التصفية العرقية والتهجير، وهو سيناريو يبدو أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى عاد إليه والتقط التصريحات التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بالرغم من علمه باستحالة تنفيذ هذه المخططات التى تصطدم بإرادة فلسطينية أولا وأيضا موقف عربى حاسم يرفض التهجير أو التصفية.
والمفارقة أنه رغم الرفض الحاسم من مصر للتهجير، وموقف عربى داعم، فقد عادت هذه المخططات لتطفو ويعيد تكرارها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بل إنه يتحدث أحيانا عن غزة باعتبارها مشروعا سياحيا أو استثمارا، بينما لم تتعاف غزة من دمار شامل، بجانب أن شعب فلسطين يتمسك بأرضه، وفشلت كل مخططات التهجير أو الضغط بالرغم من أنها أخذت مسميات متعددة منها حقل الأشواك أو التصفية والتوسع فى الاستيطان على حساب الفلسطينيين، ورغم ترادفها فإن هذه المرة ترتفع تصريحات تخلو من العقل والمنطق بجانب أنها تمثل حرائق تصفية عرقية يعاقب عليها القانون الدولى، وترفضها كل دول العالم باستثناء ترامب ونتنياهو.
ومن جهتهما مصر والأردن ترفضان التهجير، وانضمت الدول العربية مدعومة بالحق فى مواجهة تصريحات فاقدة للشرعية وتمثل حرائق واضحة المعالم، بجانب أنها تكشف عن تضاعف التطرف فى الداخل الإسرائيلى بصورة تجعل هناك أهمية للنظر فى هذا السياق بعيدا عن العواطف، بحيث تستجيب الفصائل الفلسطينية للتحولات وتكون قادرة على التقارب والتوحد استعدادا لمرحلة تتطلب جهودا موحدة لمواجهة محاولات إعادة الحرب، وأيضا لتجاوز مرحلة ما بعد الحرب خاصة الإعمار الذى تتمسك به مصر بناء على تجاربها ورؤيتها، ومن دون تهجير مؤقت أو دائم لسكان غزة، سواء لمصر أو الأردن أو أى دولة عربية، وهى مواقف حسمت الدول العربية موقفها منها، وفى مواجهة تهديدات ترامب فإن هناك بالفعل أوراقا تمتلكها الدول العربية، للتعامل مع تحديات تمثل فى حد ذاتها تحولا ضخما وتحديا يتطلب أكبر قدر من الثبات والتعامل بحسم لأنه يمكن أن يتطور إلى خطر.
ولهذا فقد شددت مصر فى بيان الخارجية، على أن السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر والتهديدات التى يتعرض لها السلم والأمن الإقليميان والدوليان الناتجان عن الاحتلال الإسرائيلى، والعدوان الإسرائيلى الأخير على غزة وتداعياته، هو تبنى المجتمع الدولى لنهج يراعى حقوق جميع شعوب المنطقة دون فرقة أو تمييز، بما فى ذلك الشعب الفلسطينى الذى يعانى من إجحاف غير مسبوق بحقوقه الأساسية، بما فيها حقه فى العيش بسلام على أرضه وفى وطنه.
ودعت مصر، فى بيانها، المجتمع الدولى بمختلف مكوناته الدولية والإقليمية إلى التوحد وراء رؤية سياسية لتسوية القضية الفلسطينية، واستعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف. وجددت مصر رفضها للمساس بالحقوق الفلسطينية بما فيها حق تقرير المصير ورفض محاولات التهجير، بل وتتمسك مصر بحقوق اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم طبقا للقانون الدولى، وشددت على أن تجاهل الشرعية الدولية فى التعاطى مع أزمات المنطقة إنما يهدد بنسف أسس السلام التى بذلت الجهود والتضحيات للحفاظ عليها وتكريسها على مدار عشرات السنين، وأكدت مصر اعتزامها الاستمرار فى التعاون مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين للتوصل إلى السلام الشامل والعادل فى المنطقة، وإقامة دولة فلسطين مستقلة على أرضها وفقا للقانون الدولى على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس.
مصر هنا تشير إلى خطورة السير فى سيناريوهات التصعيد التى تفيد فقط تجار الحرب فى كل الأطراف ممن يتكسبون من استمرار الصراع وتصاعد التوتر، فالمتطرفون فى إسرائيل يتمسكون باستمرار الصراع إلى نقاط اللاعودة، وكانت مصر سعت لوقف الحرب والانخراط فى السلام الحقيقى لكن الغرور الإسرائيلى يعرض كل الجهود للخطر، وخلال جولته بالولايات المتحدة أوصل بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية، هذه النقاط إلى كل الأطراف الدولية والإقليمية التى يعنيها إحلال السلام وهى التى واجهت ولا تزال كل مخططات التهجير، ومعها أكاذيب الاحتلال وضغوط من قبل أطراف لا تعرف حجم الجهد المصرى الدقيق، مع الاستعداد لمواجهة كل التلميحات أو التهديدات المبطن منها والواضح، وتستخدم أوراقها وتحدد أوقات اللقاء أو الاتصال مع أطراف الأزمة، وتحتفظ لنفسها بكل أوراق التعامل وتحديد أوقات الاتصالات أو اللقاءات وترفض أى تلميحات أو تهديدات، وتنطلق مصر من موقف تاريخى، فضلا عن الالتزام باتفاقيات تم ترتيبها ودُفع فيها دم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة