في رأيي ومن خلال متابعتي له. هو ليس مجرد مخرج، بل هو "مؤلف سينمائي" يكتب بالكاميرا كما يكتب بالورقة والقلم، وهو يمثل الأمل في سينما مصرية جادة، تبتعد عن الاستسهال التجاري وتنحاز للجمال والقيمة الإنسانية. تبدو أفلامه وكأنها عملية تنقيب في الذاكرة والواقع، حيث يعيد صياغة مفهوم "الواقعية" لتصبح تجربة شعورية تتجاوز مجرد رصد الأحداث. في عالم رشاد، لا تنتهي الحكاية بانتهاء المشهد، بل تبدأ في ذهن المشاهد كطرح فلسفي حول الهوية والطبقة والقدرة على الاختيار وسط حصار الظروف.
لقد تجلى هذا النهج بوضوح منذ بداياته في فيلم "النسور الصغيرة"، حيث لم يكتفِ برواية سيرة ذاتية أو سياسية، بل جعل من الكاميرا أداة للمكاشفة بين جيلين، واضعاً يده على جروح الانكسارات الشخصية والعامة ببراعة وهدوء. هذا العمل التسجيلي لم يمر مرور الكرام، بل حصد تقديرًا دوليًا واسعًا، شمل جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان مالمو للفيلم العربي، وجائزة لجنة التحكيم من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، مما ثبّت أقدام رشاد كمخرج يملك رؤية مغايرة منذ خطواته الأولى.
هذا الأسلوب تطور ليبلغ ذروة نضجه في فيلم "المستعمرة"، الذي استغرقت صناعته خمس سنوات من العمل الدؤوب لتقديم واقعية خشنة وصادقة. انتقل رشاد فيه من ضيق الذات إلى رحابة الصراع الاجتماعي الملحمي، حيث تتحول لقمة العيش إلى قيد، وتصبح المصانع مجتمعات معزولة لها قوانينها القاسية. نال الفيلم احتفاءً نقدياً استثنائياً منذ عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي (النسخة 75)، وتوج بجائزة النجمة البرونزية في مهرجان الجونة السينمائي، بالإضافة إلى جائزة الجمهور في مهرجان "أفريكالديا" بإسبانيا ومهرجان "MiWorld" بإيطاليا، وجائزة "الوهر الفضية" بمهرجان وهران.
تتميز لغته البصرية بالتقشف المتعمد، فهو يبتعد عن الزخرفة السينمائية الزائدة ليمنح الكادر ثقلاً واقعياً مفرطاً، معتمداً على الصمت كإيقاع وعلى الظلال كحوار موازٍ. وقد أجمع النقاد على أن قوة رشاد تكمن في قدرته على "اكتشاف وجه آخر للإسكندرية" بعيداً عن الكليشيهات، معتمداً على تعابير الوجوه المجهدة وحركة الأجساد داخل المصانع التي تبتلع الأفراد. إن انحياز محمد رشاد للمهمشين ليس انحيازاً وعظياً، بل هو تورط فني كامل في حيواتهم، حيث يجعل من "المكان" شخصية فاعلة تتنفس وتضغط على أعصاب الأبطال.
إن ما يقدمه رشاد هو رهان مستمر على أن السينما الحقيقية هي تلك التي تخترق طبقات التزييف لتصل إلى جوهر الإنسان، مؤكداً أن الأصالة في الحكي هي الطريق الوحيد للعبور نحو العالمية، ليثبت يوماً بعد يوم أنه صوت سينمائي متفرد يكتب تاريخاً جديداً للسينما المصرية بمداد من الصدق والشغف.