أطلق الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، مبادرة بعنوان "إنتو أصل الحكاية"، وهى مبادرة تهدف إلى تقديم "تفصيلة فى صورة" تعرض أسبوعيًا، حيث يتم نشر صورٍ لمبانٍ تراثية من قلب مصر، مع سرد قصتها واسترجاع لحظة من لحظات الزمن الجميل، ليصبح الحنين وعيًا، ويتحول الوعى إلى التزام، وفى إطار المبادرة، شارك الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك"، صور كلية التربية الموسيقية.
قصر الموسيقى فى قلب الزمالك
يوجد القصر فى قلب جزيرة الزمالك، حيث تتنفس القاهرة فنًا وهدوءًا، يقف مبنى كلية التربية الموسيقية عند تقاطع شارع شجرة الدر مع شارع إسماعيل محمد، ويرقم بـ 27 شارع إسماعيل محمد، القصر الذي عُرف يومًا باسم قصر الأمير محمد توفيق إسماعيل باشا — شاهدًا على عصرٍ كانت فيه العمارة نغمةً منسوجة بالحجر.

المبنى

حكاية بناء القصر عام 1923
شُيّد القصر عام 1923 في زمن ازدهار العمارة الأوروبية بالقاهرة، حين كانت العاصمة تستقبل المعماريين الإيطاليين الذين حملوا معها روح النهضة الجديدة، اختار الأمير أن يكون قصره تحفة من الطراز القوطي الإيطالي، فارتفعت عقوده المدببة كأنها أوتار كمانٍ منقوشة في الحجر، وتلألأت نوافذه الزجاجية الملونة كأنها مقطوعات ضوءٍ في لحنٍ قديم.
يذكر في الدراسات أن هناك "رنك" (نقش) على واجهة القصر يُظهر اسم "إسماعيل باشا محمد توفيق"، وتاريخ الإنشاء هذا شخص يختلف تماما عن الخديوي "توفيق إسماعيل محمد" الذي توفي 1892 وهو ما يرجح أن القصر ليس مملوكا للخديوي وإنما شخص آخر يدعي "إسماعيل باشا محمد توفيق" كان باشا من أصل صعيدي، تولى مناصب هندسية مثل: ناظر قلم الهندسة - رئيس إدارة دروس المدارس الملكية - مفتش هندسة الوجه القبلي حيث كان رجل دولة وأعمال، يحمل لقب باشا تكريمًا، وليس أميرًا من السلالة الحاكمة مباشرة.
وتشير بعض الدراسات إلى أن تصميم القصر يرجح أنه من إبداع المعماريين الإيطاليين أدولفو برانداني معماري إيطالي-مصري ذكِر في أدبيات التأثير الإيطالي على العمارة المصرية، وعرف عنه تصميم مبانٍ تعليمية وثقافية خلال أواخر العشرينات الثلاثينات ودومينيكو ليمونجيلي وهو مهندس معماري إيطالي ظهر اسمه بكثرة في المراجع التراثية عن القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين.
عمل أحيانًا كمصمم ومقاول (architect-contractor)، وله مشاريع بارزة في القاهرة والإسكندرية، وهما من رواد العمارة الإيطالية في القاهرة خلال عشرينيات القرن الماضي، تركا بصماتهما على مباني الزمالك وجاردن سيتي بنفس الروح القوطية الرشيقة، ويوصف القصر بأنه مكوَّن من بدروم وطابقين وآخرعلوي مضاف حديثًا، يفتح مدخله الرئيسي على بهوٍ بعمودين وعقدٍ مدبب تتوزع حوله القاعات، بينما تصطف النوافذ المزدوجة والأبراج المستدقة على الواجهات في تماثلٍ هندسي يوازن بين القوة والجمال.
أما الزخارف النباتية وتيجان الأكانتس والوريدات الحجرية، فتكشف عن ذائقة فنية متقنة تجمع بين الرهافة الإيطالية والدفء المصري، بعد أعوام قليلة، انتقل القصر إلى وزارة المعارف العمومية، التي جعلت منه عام 1935 مقرًا لأول معهد عالٍ للتربية الموسيقية للبنات في الوطن العربي ضمن منظومة وزارة المعارف العمومية آنذاك.
وقد استهدف إنشاؤه إعداد معلمات مؤهلات علميًا لتدريس الموسيقى في المدارس المصرية في مرحلة مبكرة من تحديث التعليم الفني، ومن هنا تغير اللحن: من بيت للأمير إلى بيت للموسيقى.
تطور المعهد لاحقًا إلى كيان مستقل باسم المعهد العالي لمعلمات الموسيقى، ثم أُلحق بوزارة التعليم العالي، وأُدمج ضمن جامعة حلوان عام 1975/1976 ليصبح رسميًا: كلية التربية الموسيقية – جامعة حلوان لتبدأ مرحلة جديدة من العطاء الفني والأكاديمي.
يمثل هذا القصر اليوم صورة مصغرة من النهضة المعمارية والثقافية في مصر الحديثة، زمنٍ امتزجت فيه العمارة بالفكر، والموسيقى بالحجر، ليولد مكان يجمع بين جمال الفن ورصانة العلم، إنه أكثر من مبنى، إنه معزوفة من عصرٍ كانت فيه القاهرة تلحن تاريخها بيد البنائين والمبدعين.