في إطار مبادرة "فرحانين بالمتحف الكبير… ولسه متاحف مصر كتير"، نستعرض عبر السطور المقبلة أهم خمس متاحف فنية تشكيلية، تمثل تجربة ثقافية ثرية تعزز الوعي الفني والتاريخي، خصوصًا لدى الأجيال الجديدة.
متحف دنشواى
يقف متحف دنشواي في قلب محافظة المنوفية شاهدًا على صفحة ملهمة من تاريخ مصر… عندما سُفكت دماء البسطاء وارتفعت فيها كرامة الوطن، هنا لن ترى مجرد مبنى، بل شهادة حية على إحدى بطولات الفلاح المصري عبر التاريخ.
افتُتح المتحف عام 1999 ليضم بين جدرانه قصة الحادثة الشهيرة التي وقعت عام 1906، حين تحولت أبراج الحمام إلى ساحة صراع بين الجنود الإنجليز وأهالي قرية دنشواي. ففي 11 يونيو 1906، وخلال رحلة لصيد الحمام في موسم حصاد القمح، تجاهل الضباط الإنجليز تحذيرات الأهالي واستمروا في إطلاق النار باتجاه أبراج الحمام، ما أدى إلى اشتعال النيران في بعض الأجران. وعندئذ هاج الأهالي دفاعًا عن رزقهم، فأطلق الجنود الأعيرة النارية لترهيبهم فأصيبت إحدى الفلاحات، فظن الأهالي أنها قتلت، واشتد هياجهم، وفي أثناء فرار الجنود سقط أحدهم ميتًا من الإعياء تحت حرارة الشمس.
وبعد الحادث، أجرى الاحتلال الإنجليزي تحقيقات عاجلة ومزيفة انتهت بأحكام جائرة على عدد من أهالي دنشواي الأبرياء، وتخليدًا لهذه الواقعة وتوثيقًا لمرحلة من مراحل كفاح الشعب المصري، أُنشئ هذا المتحف التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، يضم المتحف العديد من اللوحات والتماثيل والصور النادرة التي توثق لحظات الألم والمقاومة، وتخلد بطولة من دافعوا عن أرضهم.
متحف محمود مختار
هناك فى قلب القاهرة وأمام دار الأوبرا المصرية، يقف متحف محمود مختار كعاشق قديم يروى على مسامع المدينة قصة فنٍ قاوم النسيان، وحفر ملامح مصر في الحجر، منذ افتتاحه عام 1962، لم يكن المتحف مجرد مبنى، بل مقصدًا للجمال والإبداع، ونافذة تطل من خلالها روح مختار على جمهور يأتيه من كل الأزمنة.
إنه المكان الذي يحتضن 175 عملاً من أعماله، وأدواته التي لامست الكتلة الصماء لتحولها إلى حياة، وصورا ووثائق وجوائز تشهد على تاريخ رجل أعاد للنحت المصري اسمه وكرامته بعد قرون من الصمت.
كان يبحث عن مصر في كل ضربة إزميل في كل انحناءة كتف، في كل نظرة فلاحة تحمل جرة الماء على رأسها، تمضي بثبات كأنها تمشي فوق تاريخ بأكمله، من ريف مصر جاء الإلهام، ومن قلب مختار خرجت لغة تشكيلية ناعمة وقوية، تتأرجح بين رهافة العاطفة وصلابة الهوية.
وتقف منحوتة "على ضفاف النيل" شاهدة على ذلك الانتماء العميق ليست مجرد فلاحة، بل امرأة تحمل ذاكرة وطن، وتحرس حلم الاستقلال في ثلاثينياتٍ كان فيها النيل نفسه يترقّب مستقبل بلاده، لم يكن مختار ينحت أجسادا بل كان ينحت حكاية مصر، ويحول الريف إلى رمز، والفلاحة إلى وطنٍ يمشي بين الناس.
المتحف القومى للمسرح والموسيقى
يقع المتحف فى قلب الزمالك، بمقر المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، فى مبنى يحمل طابعًا مميزًا، ليقدم للزائر رحلة مختلفة داخل ذاكرة الوطن الفنية، حيث لا تبدو الزيارة مجرد تجوال بين قاعات عرض، بل مرورًا وسط أسماء ووجوه وأصوات أسست للوجدان المصرى والعربى على مدار عقود.
فى الطابق الأول، يستقبل المدخل الزائرين بملابس الفنان يوسف بك وهبى فى مسرحية "كرسى الاعتراف"، القطعة التى ارتبطت بأدائه اليومى على خشبة المسرح، وبجواره زى الفنانة الكبيرة أمينة رزق فى "راسبوتين"، فى استعادة لرموز جيل أسس للمسرح المصرى الحديث، من بينهم زكى طليمات وفتوح نشاطي، عبر مقتنيات وصور ووثائق توثق لمسيرتهم.
ويضم المتحف ركنًا خاصًا بالموسيقار سيد درويش، يعرض عوده الشهير وطربوشه وعصاه وعقد زواجه من جليلة، باعتبارها شواهد حية على فنان لا تزال ألحانه جزءًا من الذاكرة اليومية للمصريين، كما تشمل القاعات مقتنيات موسيقية وتذكارات لفنانين من أجيال متعددة، منها دفتر ملاحظات داوود حسني، ومقتنيات الفنانة سميحة أيوب من أعمال مثل "سكة السلامة" و"الفتى مهران"، إلى جانب البالطو الذى ارتداه الفنان توفيق الدقن فى "كوبرى الناموس".
وتتواصل الحكايات مع بلوفر وربطة عنق عبد الحليم حافظ من فيلم "معبودة الجماهير"، والنوتة الموسيقية لأغنية "أنت قلبي"، إضافة إلى مخطوطات نادرة بخط يد بديع خيري، ومارون النقاش، وأبو السعود الإبياري، ومحمد التابعي، بما يكشف عن الدور الذى لعبه كتّاب المسرح والصحافة فى تشكيل الذائقة الفنية لعدة أجيال.
كما يحتفى المتحف بعشرات الأسماء التى خُلّدت فى ذاكرة الفن المصري، من بينها توفيق الحكيم، صلاح جاهين، علوية جميل، محمد الكحلاوي، شكرى سرحان، زوزو نبيل، عمر الحريري، سيد زيان، محمود الجندي، سناء شافع، وغيرهم، عبر صور، وملصقات، ونصوص، ومقتنيات شخصية تعكس مراحل مختلفة من تاريخ المسرح والموسيقى والفنون الشعبية فى مصر.
متحف مصطفى كامل
يعد متحف مصطفى كامل شاهدًا حيًّا على واحدة من أصدق صفحات النضال الوطني في تاريخ مصر الحديث، فهو يوثق سيرة زعيم حمل راية المقاومة بالكلمة والموقف، وترك إرثًا ملهمًا لأجيال من الوطنيين. يجمع المتحف بين التاريخ والرمز، ويجسّد روح النهضة الوطنية.
افتتح المتحف عام 1956 ليحكي قصة كفاح الزعيم مصطفى كامل ضد الاحتلال الإنجليزي، عبر قاعتين تضمان مقتنياته الشخصية، وخطاباته، وصوره، وحجرة مكتبه، إلى جانب لوحات زيتية خالدة تُجسد حادثة دنشواي التي كانت شرارة الوعي الثوري المصري.
المتحف التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية عبارة عن مبنى شيد على الطراز الإسلامى ، يقع بميدان صلاح الدين بحى القلعة، وكان في الأصل ضريحًا يضم رفات مصطفى كامل ومحمد فريد، ثم انضم إليهما المفكران عبد الرحمن الرافعي وفتحي رضوان.
وقد شهد المتحف مراحل تطوير متتالية كان آخرها عام 2016، شملت تجديد المبنى والحديقة والسيناريو المتحفي بالإضافة إلي ثائق وصور نادرة تُوثّق لحظات فارقة في حياة الزعيم ورفاقه
متحف الخزف الإسلامي
يعد متحف الخزف الإسلامي، أحد أهم المتاحف على مستوي العالم المتخصصة في الفنون الإسلامية، يقع المتحف داخل قصر الأمير عمرو إبراهيم، أحد أبرز قصور القرن العشرين بالزمالك، والذى يجمع بين الطراز الأندلسي والكلاسيكي الأوروبي والزخارف الشرقية التقليدية، ما يجعل زيارته تجربة معمارية وفنية فريدة في آن واحد.
يمتد القصر على مساحة 774 مترًا مربعًا، ويتكوّن من طابقين خُصّصت قاعاته لعرض كنوز من الخزف الإسلامي من مختلف العصور، كما يضم المتحف مقتنيات شديدة الندرة والتفرد ، حيث يوجد به ما يزيد على 300 قطعة خزفية تمثّل تراثًا واسعًا من المدارس الفنية عبر العالم الإسلامي، من بينها: 116 قطعة من الخزف المصري، 118 من الطراز التركي المعروف بألوانه الزرقاء المميزة، 49 من الطراز الإيراني بزخارفه النباتية وبريقه المعدني، 25 من الطراز السوري، بما في ذلك قطع نادرة من مدينة الرقة تعود للقرن الثاني عشر، بالإضافة إلى قطع من الأندلس والعراق وتونس والمغرب
كما يضم المتحف قاعة مخصصة لأعمال رائد فن الخزف في مصر والعالم العربي الفنان سعيد الصدر، وتضم مجموعته الخاصة نحو 40 قطعة.
وتتنوع المعروضات ما بين أوانٍ استخداميّة، وصحون مزخرفة، ومشكاوات، ومزهريات تبرز روعة الحرفية وأصالة الفن الإسلامي عبر العصور، لاستكشاف هذا الصرح الثقافي الفريد والتعرّف إلى ثراء تراثنا الفني، ضمن مبادرة تدعو لاكتشاف كنوز مصر المتعدد... لعزة الهوية المصرية.