تعد قضية تزوير الأعمال الفنية من أكثر الملفات إثارة في عالم الفن، وقد كشفت على مر العقود عن شبكات احترافية استطاعت خداع متاحف كبرى وتجار مزادات مرموقين، لكن أشهر قضية تزوير في تاريخ الفن تبقى بلا منافس: قضية فان ميجيرين، الرسّام الهولندي الذي خدع العالم بلوحات نسبها زورًا إلى الأستاذ الكبير يوهانس فيرمير.
بداية الخدعة
في ثلاثينيات القرن الماضي، بدأ الرسام الهولندي هان فان ميجيرين يشعر بأن النقاد يقللون من قيمته الفنية، فقرر تنفيذ أكبر انتقام ممكن: أن يثبت قدرته على تقليد أسلوب فيرمير بطريقة تربك كبار المختصين. رسم لوحة بعنوان "العشاء في عمواس" وقدمها بوصفها عملًا مفقودًا لفيرمير. وسرعان ما تبعها بعدة لوحات "مكتشفة" نُسبت جميعها خطأ إلى الرسام الهولندي الكبير.
خداع المتاحف والخبراء
أثارت اللوحة إعجاب نقاد الفن وتجار المزادات، واعتمدت من أبرز خبراء هولندا في ذلك الوقت، بل إن متحف بويمنز فان بونينجن في روتردام اشترى اللوحة بثمن ضخم، واعتبرها إحدى أهم مقتنياته، ما عزز الأسطورة الزائفة حول "اكتشاف" مرحلة جديدة من أعمال فيرمير.
الانكشاف والمفاجأة
بعد الحرب العالمية الثانية، اتُّهم فان ميغيرين بالتعاون مع النازيين لأنه باع إحدى هذه اللوحات المزيفة لهيرمان جورينج، أحد أبرز قادة النظام النازي. ولتبرئة نفسه، لم يجد طريقًا سوى الاعتراف بأن اللوحة ليست لفيرمير، بل من صنعه هو شخصيًا. وبالفعل أثبت قدرته حين طلبت المحكمة منه رسم لوحة أخرى بأسلوب فيرمير أمام لجنة فنية، ففعل ذلك على مرأى الجميع.
أهمية القضية في تاريخ الفن
شكلت هذه الفضيحة منعطفًا كبيرًا في تاريخ توثيق الأعمال الفنية، إذ دفعت المتاحف إلى تطوير أدوات الفحص العلمي، من تحليل الصبغات إلى دراسة طبقات الطلاء وتقنيات الأشعة. كما أعادت النظر في فكرة "الخبير وحده" الذي يملك القول الفصل في نسب الأعمال إلى أصحابها.
لقد تحولت قصة فان ميجيرين من مجرد جريمة تزوير إلى درس فني وأخلاقي كبير، يدلّ على هشاشة سوق الفن حين تغيب الشفافية ويطغى السعي وراء الاكتشافات المثيرة على حساب الدقة العلمية.