خلال شهر نوفمبر الجاري، أصدرت الهيئة العامة المصرية للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة مجموعة من الإصدارات الجديدة التي تنوّعت بين التاريخ والشعر والسير الأدبية وغيرها من المجالات الفكرية، وفي هذا التقرير نستعرض أبرز خمسة كتب صدرت حديثًا، وتشمل ما يلي:
ديوان الإمساك بالثور الهارب
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب ديوان الشعر الجديد الإمساك بالثور الهارب للشاعر الفلسطيني زهير زقطان، وذلك ضمن إصدارات سلسلة الإبداع العربي، مقدمةً للقارئ العربي صوتًا شعريًا يلتقط نبرة الوجع الإنساني والحكاية الفلسطينية العميقة في آن واحد.
يقدّم زقطان في هذا الديوان تجربة شعرية تُحاذي الجمر، حيث يستبطن ذاتًا مثقلة بالفقد والاحتراق الصامت، تعيش آلامها كما لو أنها طقس يومي لا فكاك منه. يقف الأمل في قصائده خجولًا، بعيدًا، يكاد يلوّح ولا يقترب، فيما تتبدّى كل قصيدة كجزء من مرآة مكسورة تعكس روحًا مزّقتها الحرب ودفنت في حناياها شهقات لم تجد طريقها إلى الصراخ.
ويتتبع الشاعر في نصوصه صراع الذات مع الانكسار والخوف من التلاشي، وهو يستدعي الماضي بحثًا عن طفولة مسروقة وحكايات ضائعة وبراءة ابتلعها ركام الحزن وأنقاض الحروب. وعلى الرغم من هذا الألم، يواصل زقطان مزج الذاتي بالوطني، ناسجًا جراحًا غائرة بخيوط من الزهد والصمود والحكمة، من دون أن يمنع القصيدة من إطلاق أنين فخم، عساه يوقظ بعض الحب والانتباه لحرب لا تزال مستمرة في الحذف والاقتلاع، وقيود تزيد الرغبة في الخلاص اشتعالًا.
وُلد زهير زقطان في مخيم العروب شمال الخليل، ثم انتقلت عائلته بعد نكسة 1967 إلى مخيم الكرامة في غور الأردن، حصل على درجة الماجستير في علم النفس من الجامعة الأردنية عام 1992 عن دراسة تناولت«صورة المعوّق في القصة القصيرة في الأردن وقد ترك خلفه ثلاث مجموعات شعرية بارزة: فصول قلقة (1996)، جسور خفية (2006)، وسكن متبادل (2012)، إضافة إلى الدراسة النقدية العلاقة الجريحة: دراسة نفسية لنماذج من القصة القصيرة في الأردن» الصادرة عام 1995.
الامساك بالثور الهارب
"مجتمع مصر والشام في زمن المماليك"
صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن إصدارات سلسلة "تاريخ المصريين"، كتاب جديد يحمل عنوان «مجتمع مصر والشام زمن المماليك الجراكسة من خلال كتاب الروض الباسم لابن شاهين الظاهري»، تأليف الباحثة إيمان محمد إسماعيل، ويُعد هذا العمل إضافة مهمة إلى الدراسات التاريخية والاجتماعية الخاصة بالعصر المملوكي، حيث يقدم رؤية تحليلية معمقة للمجتمع المصري والشامي خلال حكم المماليك الجراكسة، اعتمادًا على أحد أهم المصادر التاريخية المعاصرة للأحداث.
الكتاب في أصله رسالة ماجستير تقدمت بها الباحثة إلى قسم التاريخ بكلية الآداب – جامعة الإسكندرية، وقد نالت تقدير امتياز من لجنة الحكم والمناقشة، التي أوصت بطباعتها على نفقة الجامعة وتوزيعها على المكتبات الأكاديمية، تقديرًا لقيمتها العلمية واعتمادها على منهجية رصينة ومصادر ثرية ومتنوعة.
تنبع أهمية هذا العمل من المكانة المميزة التي يحتلها كتاب الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم لابن شاهين الظاهري (ت ٩٢٠هـ/ ١٥١٤م)، بوصفه مصدرًا مباشرًا يوثّق تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والإنسانية في مصر والشام خلال فترة شديدة الثراء بالأحداث والمتغيرات. وقد استطاعت الباحثة من خلال منهجها العلمي – القائم على التحليل والاستنباط والمقارنة – أن تعيد قراءة هذه المرحلة قراءة حديثة تستكشف طبقات المجتمع، وأنماط الحياة، والجوانب الإنسانية التي لم تنل نصيبًا كافيًا من الدراسة سابقًا.
يتكون الكتاب من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول رئيسية وخاتمة. وتعرض المقدمة لأسباب اختيار الموضوع، وأهميته العلمية، والمنهج الذي اتبعته الباحثة، إضافة إلى عرض موجز لأبرز المصادر والمراجع والصعوبات التي واجهتها، أما التمهيد فيقدّم تعريفًا وافيًا بالمؤرخ ابن شاهين الظاهري، ومنهجه في تدوين كتابه، وأهميته كمؤلف معاصر لكثير من أحداث العصر المملوكي.
في الفصل الأول، تتناول الباحثة طبقات المجتمع المملوكي وفئاته كما عكسها كتاب الروض الباسم، بدءًا من طبقة السلاطين والأمراء، مرورًا بالفقهاء والتجار والعامة، وصولًا إلى الفئات الهامشية التي أسهمت في تشكيل النسيج الاجتماعي للمدن الكبرى. ويرصد الفصل الثاني مظاهر الحياة الاجتماعية في مصر والشام، بما في ذلك العادات والتقاليد، الاحتفالات، المناسبات، النشاط الاقتصادي، إضافة إلى ما سجله المؤرخ من أمراض وأوبئة ومظاهر سلبية وقتها.
ويأتي الفصل الثالث ليكشف عن الحريات والعقوبات في العصر المملوكي من خلال رؤية ابن شاهين الظاهري، موضحًا نظم القضاء، وحدود الحرية الشخصية، ونماذج من الجرائم التي سُجلت في ذلك العصر، وكيف تعاملت السلطة معها.
وتوضح الباحثة في خاتمة الكتاب أبرز النتائج التي توصلت إليها، وفي مقدمتها أن العصر المملوكي – على الرغم من التعقيدات السياسية – قدم نموذجًا اجتماعيًا متطورًا ومتنوعًا، وأن دراسة الحياة الاجتماعية آنذاك تسهم في فهم بنية المجتمع المصري والشامي عبر العصور.
وتؤكد الهيئة المصرية العامة للكتاب أن هذا الإصدار يمثل نافذة جديدة لفهم تاريخ المجتمع العربي في فترة شديدة الخصوبة، ويعكس جهدًا بحثيًا جادًا لباحثة شابة يُتوقع لها مستقبل علمي متميز في حقل الدراسات المملوكية.
مجتمع مصر والشام
كتاب جديد يرصد سيرة حكاء الجنوب
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن إصدارات سلسلة «عقول»، كتابًا جديدًا بعنوان "عبد الوهاب الأسواني.. حكّاء الجنوب" للكاتب والصحفي خالد إسماعيل، نائب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، وذلك مع العدد السابع عشر من السلسلة في موسمها الثاني. ويقدّم الكتاب سيرة ثرية لأحد أبرز الأصوات الروائية القادمة من جنوب مصر، وهو الروائي الكبير عبد الوهاب الأسواني، الذي شكّل حضوره الأدبي علامة فارقة في المشهد الثقافي المصري على مدار عقود.
يتتبع الكتاب رحلة الأسواني منذ مولده عام 1934 في قرية جزيرة المنصورية بأسوان، في بيئة تمزج بين التقاليد الجنوبية والروح الشفهية الغنية بالحكايات. ويكشف المؤلف كيف انتقل الأسواني في مرحلة مبكرة من حياته إلى مدينة الإسكندرية، حيث ساعد والده في التجارة، قبل أن تتفتح موهبته وينجذب إلى الأدب والشعر ثم إلى القصة والرواية، متخذًا من التجربة الحياتية اليومية مادة أساسية لإبداعه.
ورغم عدم استكماله للتعليم الأكاديمي بعد الثانوية، اختار الأسواني طريقًا مختلفًا، معتمدًا على التثقيف الذاتي، فقرأ بنهم في التاريخ والفلسفة والدين والأدب، وانخرط في الحلقات الثقافية والندوات وجلسات المقاهي التي كانت تجمع كبار المثقفين. وفي منتصف الستينيات بزغ نجمه بقوة بعدما فاز بجائزة نادي القصة عن روايته الأولى «سلمى الأسوانية»، التي شكلت انطلاقة حقيقية له، ولفتت الأنظار إلى قدرته على تقديم الجنوب المصري بملامحه الاجتماعية والقبلية والنفسية العميقة.
ويتناول الكتاب تفاصيل مهمة في مسيرة الأسواني المهنية، إذ عمل في مجلة الإذاعة والتليفزيون، وعرَض عليه كل من يوسف السباعي ويحيى حقي العمل في مجلة «صباح الخير» و«المجلة». كما يكشف المؤلف عن محاولة المخرج الكبير صلاح أبو سيف تحويل «سلمى الأسوانية» إلى فيلم سينمائي بإنتاج فرنسي.
وتبرز في الكتاب نقطة التحول الكبرى في حياة الأسواني عندما قرر السفر إلى منطقة الخليج والعمل صحفيًا ومفكرًا، أولًا في قطر ثم في السعودية، مدفوعًا برغبته في توفير علاج لابنه البكر. قضى هناك 12 عامًا من العمل الصحفي قبل أن يعود إلى مصر ليجده الوسط الثقافي في انتظاره، وليحصد عددًا من الجوائز والتكريمات، أبرزها جائزة الدولة التقديرية عام 2011.
ويضيء الكتاب على ثراء مشروعه الأدبي، الذي تنوع ما بين الرواية والقصة والسيرة، إضافة إلى الأعمال التاريخية عن شخصيات إسلامية بارزة مثل خالد بن الوليد وبلال بن رباح وعمار بن ياسر، ما يعكس عمق ثقافته التاريخية واتساع رؤيته. وقد تحول عدد من أعماله إلى مسلسلات تلفزيونية وإذاعية، منها «اللسان المر» و«نجع العجايب»، مما رسخ حضوره في الوجدان المصري.
ويقدم خالد إسماعيل في هذا الكتاب شهادة محبة وامتنان لأستاذه، مؤكدًا أن عبد الوهاب الأسواني كان داعمًا لجيل كامل من الروائيين الشباب. ويعد الكتاب بمثابة رحلة ممتعة داخل سيرة أديب استثنائي استطاع أن يجعل من الجنوب المصري فضاءً نابضًا بالحياة والسرد، وصوتًا إنسانيًا لا يزال تأثيره حاضرًا حتى اليوم.
عبدالوهاب الاسوانى
ديوان "شعر العامية طيور الغياب"
صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، ديوان "شعر العامية طيور الغياب"، يعد هذا الديوان واحدًا من الأعمال الشعرية العامية التي تعتمد على الذاكرة، وتبرز الحس الإنساني والعاطفي لدى الشاعر رجب الصاوي. وقد اختار الشاعر عنوانه ليكون مدخلًا إلى عالم من القصائد التي تمزج الحنين بالشعر، كما تسعى إلى استعادة المفقود واستحضار لحظاتٍ ووجوه تنتمي إلى روحه، وإلى سنواتٍ من قربه منهم.
يضم الديوان خمسين قصيدة تتنوع بين الوجداني والإنساني والذاتي، وتعكس قدرة الشاعر على تحويل الحنين إلى سرد مليء بالملامح والتفاصيل، مما حوَّل كثيرًا من القصائد إلى رثاءٍ برقة العصافير.
ونرى في هذا الديوان بوضوح روح رجب الصاوي المشتاقة إلى زمن مضى وصحبةٍ رحلت؛ تلك الكوكبة من الناس الذين غابوا بأجسادهم، لكن ظل أثر ما فعلوه حيا في وجدانه ووجدان من عاصروهم، بل وفي وجدان أمته.

طيور الغياب