في صمت يليق بالكبار، رحل عن عالمنا الفنان الكبير الدكتور سمير ناشد جندي، أحد رواد فن النحت في مصر، ووالد السفيرة سها الجندي وزيرة الهجرة السابقة، بعد رحلة عمر تجاوزت التسعين عامًا، قضى معظمها في خدمة الفن والإبداع والتعليم.
كان سمير ناشد نموذجًا للفنان المصري الأصيل، ابن الصعيد الذي حمل تراث الأرض في قلبه، ونقله إلى الحجر والخشب بلمسة من الروح والحياة. وُلد في سوهاج عام 1933، وسافر إلى إيطاليا ليصقل موهبته في أكاديمية الفنون الجميلة في فينيسيا، حيث تعلم كيف يجعل من الكتلة الصامتة إيقاعًا بصريًا حيًّا.
تميّزت أعماله بنبض خاص، إذ كان يرى في النحت لغة من نوع آخر، لا تحتاج إلى صوت لتُعبّر. كانت تماثيله تتحرك بلا حركة، وتنطق بالضوء والظل. يقول عنه النقاد إنه استطاع أن “يُعيد اكتشاف النحت المصري القديم في روح معاصرة”، حيث مزج بين التجريد والرقة، وبين البساطة والعمق.
في معارضه من القاهرة إلى فينيسيا، ومن هافانا إلى الكويت، وقف أمام منحوتاته جمهورٌ مذهول من قدرة هذا الفنان على جعل الصلابة تتكلم. لم يكن النحت عنده مجرد صنعة، بل تأمل في فلسفة الحياة والخلود.
لم يكن سمير ناشد فنانًا فحسب، بل أستاذًا ومربيًا للأجيال في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان منذ عام 1957. تتلمذ على يديه عشرات النحاتين الذين أصبحوا فيما بعد من رواد الحركة التشكيلية المصرية. كان يزرع في طلابه فكرة أن الفن ليس ترفًا، بل رسالة ومسؤولية تجاه الجمال والهوية.
حصل الراحل على العديد من الجوائز، أبرزها الجائزة الأولى للنحت عام 1984، وجائزة بينالي الكويت الدولية عام 1989، وكرمته وزارة الثقافة وسمبوزيوم مدينتي عام 2017 تقديرًا لعطائه الطويل.
وتُعرض أعماله اليوم في متحف الفن المصري الحديث ودار الأوبرا المصرية، إلى جانب مقتنيات في أوروبا وأمريكا.