زاهى حواس

درس من الماضي

الخميس، 02 أكتوبر 2025 12:37 م


قبل نحو 3331 عامًا وبالتحديد في عام 1350 قبل الميلاد كانت مصر على مشارف عصر جديد غير وجه الحياة اسمه عصر التوحيد.. بعد أن ظلت أكثر من ألفي عام تعبد آلهة وأرباباً متعددين.

أما الحدث فكان جلوس الملك "أمنحتب الرابع" على عرش أجداده من ملوك الأسرة الثامنة عشر التي بدأها القائد العظيم "أحمس" محرر البلاد من الهكسوس، وقد ورث "أمنحتب الرابع" ملكاً عريضاً وإمبراطورية وصلت حدودها حتى أعالى الأناضول شمالاً، وأعالى النيل جنوبا، وبدلاً من السير على نهج أجداده والتفرغ للعمل السياسي ودوره الخطير في استمرار أسباب الاستقرار في الإمبراطورية العريضة نجده يخرج علينا بفكر ديني جديد على بلد تعايشت مع تعدد الأرباب وقبول الآخر حتى ولو كان من خارج حدود الأرض المصرية دون تعصب أو حكر على دين أحد أو فكر مخالف.

جاء "أمنحتب الرابع" والذي ينقسم اسمه إلى شطرين وهو "أمون" و "حتب" بمعنى "رضى الإله آمون بدين يرفض وجود أي دين آخر إلى جواره"، بل إنه محى اسمه "أمون حتب" وسمى نفسه "أخ إن أتون" أو "أخناتون" بمعنى "المخلص إلى الإله أتون" وهو اسم إلهه الجديد.. فماذا حدث؟

أراد "أخناتون" محو كل أسماء الآلهة وتدمير معابدها ومقاصيرها، ورفض قبول الفكر الآخر.. وحينما وجد عصياناً عاماً من الناس لم يكن أمامه سوى أن ينتقل وحاشيته إلى أرض جديدة تاركاً المدن المصرية للمصريين يمارسون فيها عباداتهم وعاداتهم بكل حرية، وبنى لنفسه عاصمة جديدة بتل العمارنة، حبس نفسه إلى أن مات بها وولدت دعوته وعادت الأمور إلى سابق عهدها وانتعشت المعابد من جديد ولبس الكهنة ثيابهم البيضاء الناصعة وحرق البخور في المقاصير والهياكل وظلت مصر بلد التعددية وقبول الثقافات وحصناً لكل الديانات، لجأ إليها اليهود هرباً من الفرس، ولجأت إليها العائلة المقدسة مريم العذراء تحمل السيد المسيح طفلاً ومعهما يوسف النجار هرباً من طغيان الرومان.

ثم دخلها عمرو بن العاص يحمل دين الإسلام والسلام، وكلمات رسول الإنسانية ترن في أذنيه "من أذى ذمياً فقد أذاني" فلم يغمد سيف في قلب قبطى ولم تطرد عائلة من منزلها ليحتله جند المسلمين، الذين بنو لأنفسهم مدينة جديدة ومساكن خاصة بهم لكى لا يظلم أحد من أصحاب البلاد وعاش الجميع في سلام وأمن.

الآن ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين وفى عصر السماوات المفتوحة والإنترنت والفمتوثانية وجزئي الذرة يظهر في الأفق غول اسمه "التعصب الديني" ليضرب وحدتنا وأمننا ويهدد مستقبل أبنائنا فتسال دماء الأبرياء يوم احتفالهم بمقدم العام الجديد على أبواب كنيستهم، الأمر إذا مروع لا يحتمل تهويناً أو تأويلاً أياً كان الفاعل فإن المجنى عليه هو هذه البلد.. مصر وأهلها، ولذلك أصبح دورنا هو الوقوف صفاً واحداً وقراءة التاريخ وأخذ العبرة والاستفادة من دروسهم لكى يعيش عيسى ومحمد فى أمن وسلام ولتصدح أجراس الكنائس من جديد ويعلو صوت المؤذن ينادى إلى صلاة وفلاح.

نظرت إلى هؤلاء المتعصبين الذين خرجوا للشوارع يحملون الحجارة والأسلحة، فرأيت شباباً لم تتعدى أعمارهم الثلاثين، مما يدل أننا قد أهملنا في تعليمهم ثقافة قبول الآخر وتركناهم فريسة الجهل الذي خلف التعصب، وليس الحل في غلق القنوات الدينية، ومنع تدريس الدين، ولكن الحل في تعليمهم كيف يسمعون أصحاب الفكر الآخر ويحترمونه دون كراهية وتعصب.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة