أكرم القصاص

ليسوا مجرد أرقام.. إعادة «إعمار» النفوس فى غزة قبل المبانى!

السبت، 18 يناير 2025 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أيا كانت التفاصيل، فإن اتفاق وقف الحرب فى غزة يمثل خطوة مهمة لإنهاء مأساة كبرى، ووقف جرائم ارتكبها الاحتلال الإسرائيلى، وبالطبع هناك دائما أسئلة مشهورة على مدار شهور عن مصير اليوم التالى للحرب فى غزة، والسياق الذى يفترض السير فيه، وصولا إلى البدء فى إعادة الحياة الطبيعية إلى غزة، وخاصة للسكان الذين عانوا معاناة بالغة وما زالوا.

والواقع أن الاتفاق لا يزال هشا، بجانب غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، والمفارقة أن الانقسام أكبر داخل معسكر الاحتلال، حيث يرفع المعارضون شعارات أن الاتفاق تم لغير صالح إسرائيل،  بجانب أن الاتفاق يتضمن الكثير من نقاط الاختلاف والتقاطعات، التى ربما تتطلب تعاملا خلال التطبيق العملى للاتفاق، وربما تكون من أخطر النقاط هى كيفية إدارة القطاع، بشكل يضمن التناغم والقدرة على تقديم خدمات عاجلة وأخرى متوسطة وطويلة المدة، بصورة لا تواجه عراقيل، وهنا يكون الحديث عن مدى القدرة على بناء سياسة يمكنها التعامل مع التفاصيل اليومية للمواطنين وعدم عرقلة أى اتجاه للعمار والتنمية داخل القطاع الذى يواجه دمارا شبه كامل.

وإذا كان الاحتلال - طوال هذه الشهور - نجح فى إضعاف قوة حماس العسكرية، فإنه لم ينجح فى القضاء عليها، لكن التساؤل هو عن القدرات السياسية التى هى بالفعل مطلوبة بشكل أكبر من القوة العسكرية، وأيضا القدرة على تأمين التوزيع العادل للمساعدات على كل الأطراف التى تعانى من تأثيرات حرب طالت بشكل كبير تجاوز كل المرات السابقة، بل وأغلب التوقعات التى انطلقت منذ البداية، وإذا كان وقف الحرب نفسه إنجازا، فإن ما بعده يمثل اختبارا كبيرا لمدى قدرة الفصائل على إنجاز مصالحة يمكن من خلالها خدمة المواطنين وإنهاء معاناة ما يقرب من 2.5 مليون نسمة، ليسوا مجرد أرقام لكنهم بشر لهم احتياجات كبيرة، بجانب مساندة نفسية واجتماعية لآلاف الأسر التى فقدت أطفالها أو عائلها، وتحتاج إلى مجتمع يخدم هذه الحالة.

وبالرغم من ضخامة الدمار فى غزة، والذى وصل - حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائى - إلى تدمير ما بين 60 و70% من المبانى فى القطاع المنكوب، منها 80 ألف منزل، وخلف 37 إلى 40 مليون طن من الركام، وهناك 1.9 مليون شخص على الأقل فى أنحاء غزة نازحون، ومنهم من نزح أكثر من 10 مرات، مع أولوية إعادة بناء المستشفيات ومراكز الخدمات التى تم تدميرها، وبالتالى فإن الدمار فى المبانى، يمكن التعامل معه، لكن التدمير الذى طال البشر والمجتمع والأسر يجعل الحاجة إلى سياق سياسى قوى ضرورة، بجانب تخفيف الاحتقانان الداخلية، وإلقاء المسؤوليات والمحاسبة على ما تم، كل هذا يخلق نقاشا أكبر كثيرا مما يظهر الآن، وتضاعفه فترة ما بعد وقف الحرب، ومواجهة الشكوك الداخلية والتساؤلات والمناقشات التى بالطبع تتعلق بمدى الرضا عما تم، والقدرة على تجاوزه إلى واقع إنسانى يتيح معالجة جروح صعبة.

وبالطبع، فإن هناك انقسامات داخل المجتمع الإسرائيلى، بسبب الاتفاق، وتوقعات باستقالات وانسحابات لأطراف من داخل الحكومة، بجانب ضغوط المتطرفين لتنفيذ خطط التصفية والتهجير، التى فشلت حتى الآن، وتفرض أن ينتبه إليها الفلسطينيون، ويسعى الفرقاء لتفهمها والتعامل معها.

كل الطرق تشير إلى ضرورة التقارب وإعادة تجميع القوى فى غزة وفى الداخل الفلسطينى عموما، تمهيدا لخوض مرحلة صعبة تتجاوز إعادة الإعمار، إلى إعادة إعمار النفوس ومعالجة جروح شهور من القتل، ونكرر أن هذه التفاصيل تجعل المرحلة الأخطر هى القادمة، لعلاج جروح تعمقت لآلاف واجهوا الرعب والقصف، أكثر من 17 ألف طفل يتيم، وآلاف التساؤلات، التى لا يمكن أن يستوعبها هؤلاء الذين يمارسون مزايدة أو ادعاءات فارغة.

p
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة