قبل عدة أعوام كتبت مقالاً أناشد فيه وزارة السياحة ضرورة طباعة خريطة تشمل أهم المعالم والمناطق السياحية والمزارات الأثرية، والشوارع الرئيسية والميادين، ومحطات المترو والسكة الحديد، ومناطق الطوارئ والمستشفيات الكبرى، والأماكن الترفيهية والخدمية، فعندما تذهب إلى أي دولة في العالم بغرض العمل أو السياحة أو العلاج، غالباً ستجد هذا النوع من الخرائط في كل مكان، المطار ، الفندق، وسائل المواصلات، في أشكال أنيقة ومنظمة، مجانية و بلا أي مقابل، يمكنك من خلالها التخطيط للوصول إلى وجهتك دون تعب أو مشقة.
مازال التسويق للمعالم السياحية المصرية ينقصه الكثير، فالأمر لا يتوقف عند فكرة الخريطة الورقية فقط، بل يمتد إلى أفكار لم يهتم بها أحد، مثل الأطباق الرئيسية التي نشتهر بها ، فعندما تذهب إلى أوروبا أو آسيا أو أمريكا، فالكل يعرف "الطبق الشعبي" لهذه البلد أو تلك، و"الأكلة الشهيرة" التي يتفق حولها الجميع، ويعتبرونها جزء من الموروث الشعبي، وجزء مهم في التسويق السياحي، لكن في المحروسة رغم تعدد الأذواق، والتراث الزاخر بالعادات الغذائية، والأكلات الشهيرة، والأطباق التي ليس لها مثيل في أي دولة حول العالم، لن تجد طبقاً يتم الترويج له باعتباره أكلة مصرية خالصة أو "براند" معروف.
أتساءل أحياناً، هل يتم تقديم "الكشري" باعتباره أكله مصرية خالصة؟ أم الملوخية أم الطعمية أم الفطير المشلتت ؟ وكذلك عشرات الأكلات التي تحمل خصوصية ثقافية، سواء في الوجه البحري أو القبلي، أو مدن القناة، والمحافظات الساحلية، وهذا جزء مهم من عمل وزارة السياحة، دون أن يكون للأمر علاقة باستراتيجيات ضخمة، أو دراسات متسعة، و تقديرات وأرقام ننشغل بها كثيراً.
وفق البيانات الرسمية المعلنة من جانب وزارة السياحة المصرية، فقد تم استقبال حوالي 14.9 مليون سائح خلال العام 2023، بزيادة سنوية أكثر من 27 %، مسجلة أعلى مستوى في تاريخها، على الرغم من الاضطرابات التي شهدتها المنطقة، منذ اندلاع الحرب في غزة ، وهذا الرقم يتم ترجمته في النهاية إلى نحو 13.2 مليار دولار ، بينما المستهدف أن يصبح هذا الرقم 30 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما أراه رقما متواضعاً ويمكن أن نستهدف ضعفه على الأقل خلال 5 سنوات من الآن.
تركيا على سبيل المثال ارتفع عدد السياح إليها خلال العام الماضي بنسبة 11.82%، ليصل إجمالي العدد إلى نحو 52 مليوناً و742 ألفاً و526 زائراً، بإجمالي عوائد 56 مليار دولار، على الرغم من الزلزال المدمر الذي ضرب عدداً من مدنها، فبراير من العام الماضي، وأسفر عن خسائر ضخمة في الأرواح والممتلكات، لكنه لم يؤثر على عوائد السياحة بالصورة السلبية التي توقعها البعض، فالتسويق السليم، والخبرة في التعامل مع السائح، والاهتمام بتقديم خدمة فائقة، جعل اسطنبول مقصداً مهما للسياحة الأوروبية والعربية في الوقت الراهن.
دولة مثل "المجر " لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة، ولا تمتلك موارد طبيعية ضخمة، لكنها تعتمد في اقتصادها على السياحة، وصناعة الخدمات بشكل أساسي، فقد وصل إليها العام الماضي 16 مليون سائح، ولا تمتلك سوى نهر "الدانوب"، دون بحار أو محيطات أو سواحل، بالإضافة إلى مجموعة من المعالم والمنشآت القديمة المرتبطة بحضارة أوروبا الشرقية، فلماذا لا ننظر باهتمام كافٍ لهاتين التجربتين، المجرية والتركية في التسويق السياحي، خاصة أن مصر لو استطاعت أن تضاعف إيراداتها السياحية خلال السنوات المقبلة، ستتغلب بقوة على قضية نقص العملات الصعبة.
أتصور أن الوقت قد حان لوضع برامج تسويق عصرية وفق رؤية خبراء وفنيين للمقصد السياحي المصري، يتم خلالها التركيز على المقومات الهائلة التي تمتلكها مصر حضاريا وثقافياً، والتنوع الذي تتميز به، والخدمات التي تقدمها للسائح الأجنبي، وأن تكون التفاصيل الصغيرة حاضرة في تلك الخطة، مثل خريطة المعالم السياحية، والأكلات الشعبية، والأزياء والموسيقى المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة