باسل عادل

الضيوف اللاجئون

الأربعاء، 31 يوليو 2024 11:06 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قضية اللاجئين حساسة وشائكة، نظرا لأنها قضية رأى عام وأمر إنسانى وأمن قومى وعبء اقتصادى وفرصة سانحة أيضا، فمثل تلك قضايا تكمن خطورتها فى أنها حمالة كثير من الأوجه، هجوما ودفاعا، إنسانيا وعمليا، دوليا ومحليا، لذلك سأسعى لتفكيك المفهوم وتفنيد الدوافع، وتبيان المحنة، وطرح ماهية المنحة فى نفس الموضع.

من الناحية التاريخية مصر تستقبل اللاجئين والوافدين بصور مختلفة، نظرا لموقعها الجغرافى الذى يجذب الوافد جبرا أو اختيارا، وقصة سيدنا يوسف وإخوته حاضرة حينما استضاف إخوته فى مصر واستفادوا من خيراتها وخضارها، وظلت مصر موطن جذب للتوطين حتى من المحتلين الغازين الذين انصهروا فى حضارتها وذابوا فى خصوصيتها الفريدة.

من الناحية التاريخية أيضا مصر ظلت دولة كوزموبولتان طوال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وكان إسهام الأجانب المقيمين فى الفن والثقافة والتصنيع ملحوظا وبناءً ودعم أواصر التقدم التقنى والإنسانى فى كثير من الأحوال، وكانت أسماء كبرى المعارض والمحلات تحمل أسماء لأجانب مقيمين ومنتمين لمصر ولاقتصادها، ومن اللافت أن تلك الحقبة التاريخية كانت واعدة جدا وتحصد كل يوم أرضا جديدة فى مسار التقدم.

الشاهد أن وجود «الأجانب» كمقيمين بكثافة فى مصر كان اعتياديا حتى خمسة عقود سابقة، حتى حدوث التحول السياسى بعد ثورة 52 وأغلقت مصر على أبنائها إلا من السياحة المؤقتة من الأجانب وبعض المستثمرين القلائل على استحياء.

من منظور الاتفاقات الدولية والتعهدات، مصر كانت جزءا مهما من كاتبى النسخة الأولى من اتفاقيات اللاجئين فى سنة 1951 ومصدقة على اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للاجئين فى 1969 وموقعة وملتزمه بكل اتفاقات اللاجئين الدولية فى 1981، كما أن الدستور المصرى نص صراحة فى المادة 91 على حق اللجوء السياسى للأجانب، وعلينا أن نتفق أن حق اللجوء ملزم لنا ولا يؤدى رفاهة من الناحية الدولية ومن الناحية الإنسانية أيضا، خاصة أن غالبية اللاجئين الآن من السودان وهم شعب شقيق وعمق استراتيجى لمصر، فضلا عن أن عودة مصر للانتماء لبعدها الأفريقى مجددا يحتم صيانة جودة العلاقات الإنسانية قبل السياسية، وقد أقف بشكل واضح ضد نزعات الشيفونية وكراهية الأجانب، والتى يغذيها متطرفون إنسانيا على شبكات التواصل الاجتماعى، لأنها خطر على سياسة الاحتواء التى تتبناها مصر طوال التاريخ، فضلا عن أخلاقيات الإغاثة التى تتحلى بها الدولة المصرية الآن.

مصر تتحمل كما قالت القيادة السياسية نحو 9 ملايين لاجئ، ولكن المسجلين فعليا فى مفوضية اللاجئين 675 ألف لاجئ فقط تقريبا، وتلك الفجوة فى التسجيل هى مناط الخطر والملاحقة الحقيقية، ويجب أن تمهد كل السبل لتسجيل اللاجئين بتوفير اللوجستيات اللازمة لذلك، فضلا عن بعض التعديلات القانونية الواجبة فى التشريع المصرى الذى لا يتضمن كلمة أو مفهوم اللجوء فى التشريعات، ولكنه يخص الأجانب ببعض المواد، فيجب أن يتسق التشريع مع الدستور الذى نص على عبارة اللاجئ صراحة.

إن أهمية الموازنة بين الأمن القومى المصرى وحقوق الإنسان هى مناط الاهتمام الأول فى تلك القضية، إن تأجيج مظاهر الكراهية والعنف ضد اللاجئين هو سلوك مرفوض ويجب ملاحقته أمنيا والتوعية الإنسانية إعلاميا أيضا مطاوبة لدرء الفتن، فلكل محنة منحة وضغط اللاجئين على الإيجارات والغذاء والدواء وكل المرافق التحتية قد يمثل أيضا فى وجه آخر مصدرا للرواج والتجارة وإنعاش الأسواق وضخ العملة الأجنبية، وبدراسة متأنية وعن طريق عمل مصفوفة تصنيف مهنية للضيوف على أرض مصر من الممكن الاستعانة بهم لسد العجز فى بعض المهن المطلوبة مثل الأطباء وغيرهم مع ما يلزم طبعا من المعادلات الدراسية إن وجدت، إن حملات التنمر على البشرة السمراء تفقدنا حميمية التواصل الأفريقى، ونحن لنا مصالح كبرى مع أفريقيا ودول حوض النيل بشكل خاص، كما نرفض ممارسات العالم الغربى فى شيفونيته ويمينه المتطرف الذى يكره الأجانب، ويؤجج ممارسات الازدراء والكراهية، فلا يجب أن نمارسه هنا فى مصرنا الكبيرة.

أرى أيضا تغيير قانون العمل الذى لا يتيح العمل للأجانب فى أى مؤسسة لأكثر من عشرة فى المائة، لأن فتح باب المنافسة والكفاءة لا يتعارض مع أحقية المواطن المصرى الكفء الذى يفرض نفسه، فالدول المغلقة تتأخر كثيرا فى عالم مفتوح، إن تحفظات مصر على تشغيل اللاجئين لا بد أن يعاد النظر فيها، ثم إن تحمل مصر لهذا الحمل الثقيل من ملايين اللاجئين لا بد أن يترجم لمساعدات دولية واضحة نظير هذا الدور الإنسانى الدولى الذى تقوم به مصر.
إن مصر التى تقوم بدور دولى فعال فى مكافحة الهجرة غير الشرعية لا بد أن تأخذ فى اعتبارها أنه دور ممتد وطويل، لأن كل اللاجئين يعتبرون مصر دولة معبر وليست مقرا، لذا فهذا دور دولى آخر تلعبه مصر فى صيانة التوازن الاقتصادى والشعبى عند دول أوروبا، ولا بد أن يقدر حق قدره وتستوعب احتياجات مصر للعب هذا الدور الحيوى.

أخيرا لا بد أن ينظر لكثير من قضايا اللاجئين بعين الاعتبار مثل استمرار أولادهم فى التعليم برسوم محتملة، وعمل كروت صحية مثلا باشتراكات معقولة حتى لا يتم التحميل على المستشفيات المجانية الحكومية، ويجب زيادة مكاتب تسجيل اللاجئين وساعات عملهم، ويجب الانتباه أمنيا من عمل مجتمعات جغرافية محلية للاجئين لاعتبارات الأمن والأمان، أعلم تماما تشابك القضية مع مصالح بعض إخواننا المصريين لكنه واجب وطنى وقانونى والتزام إنسانى تقوم به مصر الكبيرة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة