حازم حسين

مُقدمات اختيارية لصدامٍ حتمىّ.. إيران وإسرائيل ومآلات الصراع على أرضية أُصوليّة

الإثنين، 15 أبريل 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لولا غطرسة الاحتلال وإجرامه؛ ما اتّسعت النارُ ولا ازدهرت الأجنداتُ المُلوَّنة.. طرفان على النقيض تقريبًا؛ لكنهما يسعيان فى ظلِّ رُؤيةٍ واحدة، تُعادى الإقليم وتسعى لإشعاله. وعندما اغتالت إسرائيل محمد رضا زاهدى ورفاقه، وردَّت إيرانُ بصواريخها ومُسيَّراتها؛ كانتا فى واقع الأمر مُنخرطتين بإخلاصٍ فى السرديَّة التى تجمعهما، وغايتها تسخين المنطقة لدرجة الاحتراق، وابتلاع ما يتبقّى من أطلالها لصالح مشروعٍ عقائدى راديكالى: يهودى توراتى لدى الأُولى، ومذهبى شيعى بنكهة عِرقيّة عند الثانية. وقد سبق أن قال وزير الخارجية الإيرانى إن ما يجمعهم بالكيان الصهيونى هو الرفض الكامل لحلِّ الدولتين. ومع استحالة شَطب الفلسطينيِّين من أرضهم التاريخية، أو استخلاصها كاملةً من أنياب غاصبيها؛ فإنّ اللجوء للخيارات الصفريّة إنما يصبُّ فى رصيد العدوِّ بفارق القوّة، ويخصمُ من الشقيق بأثر ترسيخ الضعف والانكشاف، وبما يستهدفه من إضرارٍ عميق بالبيئة العربية؛ وهى الحاضنة الأقرب والأبقى للقضية.


ليل السبت/ الأحد، بدأت إيران ردَّها بعد ثلاثة عشر يومًا من قصف إسرائيل لقنصليّتها فى دمشق. وطُول المُدَّة إنما يُشير لحساباتٍ سياسية، كانت تسعى للمُواءمة بين هدفى تبييض الوجه وتجنُّب المُواجهة الشاملة، بأكثر من سَعيها للثأر واتخاذ مواقف جادة. يُمكن القول إنّ مُتّخذ القرار فى طهران لم يكن مشغولاً بإيذاء الدولة العبرية؛ بل بمُخاطبة قاعدته الشعبية المشحونة عاطفيًّا، وترميم الجبهة الداخلية بعدما استفحلت أزماتُ الاقتصاد والحُكم، ولم يعُد فى خزانة النظام ما يُقدِّمه للجمهور سوى فائض الشعور بالقوَّة والقدرة على إزعاج الخصوم؛ ولو معنويًّا. بهذا المعنى كان الهجوم إلى الداخل، لا فى خطّ سَير الطائرات والصواريخ التى يعرفُ مُطلقوها أنها لن تُصيب وُجهاتها المقصودة. أى أنّ الحرس الثورى كان فى حالة دفاعٍ عن وَهم المكانة، ولم يكن هجومًا حقيقيًّا يتأسَّس على خطّة مُكتملة، أو يحمل بين جُملة رسائله عنوانَ الاشتباك والجاهزية للحرب.


انطلقت أسرابُ الطائرات الانتحارية، وتفاوتت تقديراتها من عشرات إلى عدّة مئات، فضلاً عن رشقاتٍ صاروخية مُتفاوتة الطرازات. وأغلبها خرجت من الأراضى الإيرانية، وفى ذلك إشارتان مُتضادّتان: الأُولى أنَّ المدى البعيد مقصودٌ لإفساح مُهلة كافية للدفاعات الجوية والمُقاتلات أن تتعامل مع الهجوم المُنسَّق، والثانية أنّ قواعد اللعبة آخذةٌ فى التبدُّل عمّا كانت عليه. فكرةُ المسرحية تتحقَّق باختيار نطاقاتٍ بعيدة تتعذَّر معها المُباغتة وامتلاك ناصية المُبادأة؛ لكنّ التحوُّل على صعيد الانتقال من الوكيل إلى الأصيل، وإطلاق العملية من مركز المحور الشيعى مُباشرةً، لأوَّل مرّة على الإطلاق، بدلاً من تحريك الأذرع فى سوريا والعراق واليمن وجنوب لبنان؛ إنما يُعبِّر عن تغيُّرٍ استراتيجىّ فى طبيعة الصراع وحساباته، ويشرع بابَ الانتقال لمرحلةٍ أشدّ دراماتيكية، يكون الخطُّ الواصل فيها بين طهران وتل أبيب مفتوحًا فى الاتجاهين، فيتبادلان الرسائل باليدّ لا عبر صناديق فرعية.. وعاملُ الانحراف عن المُعتاد أن القنصلية جُغرافيا مُلحقةٌ ببلدها الأُمّ، والطبيعى أن يُقتَصّ لها بالآليّة نفسها؛ لكنَّ الخيارات تعدَّدت لتشمل الردَّ فى مقرٍّ دبلوماسىّ شبيه، وجرت استعداداتٌ إسرائيلية لامتصاص ضربةٍ من هذا النوع، وأنْ تُحسَمَ المسألةُ لصالح إخراج المشهد على أعتاب إسرائيل؛ معناه أنّ مُعادلة الرَّدع وأسقُف الاشتباك سيُعاد تحريرها على صيغةٍ مُغايرة، وفيما وراء ذلك تتصاعد المُهدِّدات المُستقبلية بانفجار الوضع مع أىِّ خطأ غير مقصود فى الحسابات.


أبدت واشنطن تملمُلاً مكتومًا من أنَّ إسرائيل قصفت دمشق دون إعلامها أو التنسيق معها؛ لكنها شدَّدت على التزامها الدائم بالدفاع عن حليفتها، ووضعت كلَّ قُواها فى خدمة جهود الإنقاذ؛ أوّلاً بمحاولة إرجاء الردِّ وترشيد مداه، ثمّ بالإسناد المُباشر فى التصدّى لسيل المُسيَّرات. لقد وجَّهت تحذيراتٍ صارمةً خلال الأيام الماضية، وأرسلت تهديداتٍ مُبطّنة للنظام الإيرانى عبر عواصم إقليمية كُبرى، وبعدها وضعت مُدمِّرتين مُزوّدتين بدفاعات مُتقدِّمة فى مسرح الحدث، واشتركت مُقاتلاتها ووحداتُها الأرضية فى المهمَّة، بجانب طائراتٍ بريطانية وقطعٍ بحرية فرنسية. وإذا كان المشهدُ الأخير قد أُخرِج كما أرادت، بمخاطر زهيدةٍ وخسائر شِبه مُنعدمة؛ فإنَّ رؤية الجانب الإسرائيلى قد تفرضُ عليها الذهاب لما هو أبعد.. يرى «نتنياهو» أنَّ الظرفَ مُواتٍ لقفزاتٍ واسعة، والرياح فى أشرعته بما يكفى لتجفيف الاعتراضات الداخلية، وصَكّ معايير جديدة للعلاقات فى الإقليم، وبالضرورةِ سيسعى للردِّ على الردّ؛ وإن أخفقت إدارة بايدن فى كَبح شهوته العالية للهروب من أزماته عبر دائرة النار؛ فسيكون على الرئيس الأمريكى أن يُشاركه الجولةَ الانتقامية، أو يتحضّر للدفاع عنه بعدها، وفى الحالين ستتضاءلُ قُدرته على ترويض المحور الشيعى وأجنحته الطليقة، وهو إن كان قادرًا على لَجْمِهم فى الميدان؛ فليس من مصلحته أصلاً أن يُصادِمَهم بميقات اليمين الصهيونى وعلى باقة أهدافه، وكلّها تتعارضُ مع أولويات الولايات المتّحدة ومصالحها الاستراتيجية فى المنطقة.


هنا يبرزُ الارتباك لدى كلّ الأطراف. ربّما توقَّعت إسرائيل ردَّ إيران أو استهدفته؛ لكنها بالقدر ذاته كانت تُمنِّى نفسَها بالصمت وترسيم قواعد جديدة للاشتباك والرَّدع، والآن لم يعد مقبولاً لديها أن تبتلعَ هجومًا مُباشرًا؛ ولو كان استعراضيًّا، كما لا تعرف إلى أين تمضى الأمور بعدما تذهبُ لخطوةٍ اضطراريّة مُكافئة فى الحجم والنوع. والشيعةُ أعلنوا إغلاقَ مجالهم الجوى منذ خمسة أيام، ثمّ سحبوا الخبر، وقبل أن تصل طائرةٌ واحدة لوُجهتِها أخطروا الأُمَم المُتّحدة بانتهاء العملية؛ استباقًا لتقييم فاعليّتها واستشراف ما بعدها. أمَّا الأمريكيّون فيرقصون على حبلٍ يُوشك أن ينقطع؛ إذ توافقوا ضِمنيًّا مع الإيرانيين على تحرُّكٍ يحفظُ الكرامة ولا يُفجّر الأوضاع، وذهبوا لمُؤازرة الصهاينة فى إحباطه وتفريغه من المضمون، ويبدو أنهم غير جاهزين لجولةٍ تالية من الطرفين. كان البيت الأبيض قد بشَّر مُسبقًا بالضربة، وتحدَّث عن تفاصيلها بمُفرداتٍ تكاد تُطابق ما وقع بالفعل، وبعدها تلقَّف الإعلام الأمريكى الأخبارَ بمُبالغةٍ وتكثيفٍ دعائيَّين، فقال بعضهم إنه أضخم هجومٍ بالمُسيّرات فى العالم؛ ربما لمُغازلة الشوفينية الفارسية، وتحقيق التوازن النفسى المقصود؛ لكنَّ بَيع الوَهم للإيرانيين سيُعمِّق جرحَ الكبرياء لدى الإسرائيليين؛ فيزداد استنفارُهم ورغبتهم فى قَلب الصورة أو مُعادلتها.. مهمّة «بايدن» وفريقه شديدة الصعوبة؛ فالمطلوب تعويم كلِّ طرفٍ إلى مستوى الإحساس بالاتّزان والصلابة، وإبقائه مَردوعًا بما يقطعُ الطريق على المُغامرات الخَطِرة، وبينما لا يستطيعون ذلك تجاه حُلفائهم التوراتيّين؛ فإنهم عاجزون أيضًا عن حَبس المُمانعين فى قُمقم الرضا والتسليم؛ طالما يُصرّ غريمُهم على التبجُّح وانتهاك القواعد.


ربما يشى كلُّ ما فات بشىءٍ من التناقض؛ لكنّ السياق العام مُركَّب وليس مُتناقضًا. حكومةُ اليمين فى تل أبيب تُريد التصعيد لأهدافٍ داخلية وخارجية، وليس من مصلحة إيران وأمريكا أن تتطوَّر الأُمور. ولا يعنى ذلك أنّ المحور الشيعى سيتلقّى الصفعات كلَّها صامتًا؛ لأن رأسماله الأعظم واستثماره الدائم فى خطاب المُقاومة والتصدِّى للشيطان الأكبر وذيوله. فى المحطّة الراهنة يُنسّق مع واشنطن، وسيظلّ؛ إنما الخوف من أخطاء المُصادفة والانزلاق البطىء بعيدًا من السيناريوهات المرسومة بعناية. فى تجربةٍ سابقة ردَّت على اغتيال قاسم سليمانى باتّفاقٍ مُسبق مع الأمريكيين، على ما قال ترامب، وردَّت إدارة بايدن المُجاملة بعد مقتل ثلاثةٍ من جنودها فى قصف قاعدة البرج قبل أسابيع؛ فتركت فسحةً قبل الردِّ على أهدافٍ سورية، ما سمحَ بنَقل العتاد والمُقاتلين بعيدًا من مجال النار. والليلة قبل الماضية كان هامشُ الحركة بين ثلاث وتسع ساعات، ولم يكن الهجوم مُتزامنًا؛ فقال مسؤولو طهران إنه عبر عدّة موجات مُتتابعة، ولو أرادوا إرباكَ الدفاعات ورَفع هامش الوصول للأهداف لاتَّخذت العملية صياغةً أُخرى، فى التسليح والكثافة النيرانية وفَتح الجبهات الرديفة معًا. لكنّ التنسيق هذه المرَّة قد لا يُعوَّل عليه؛ ما لم يكن واقعًا بمُوافقةٍ ثُلاثية، وهذا يستحيلُ الجَزم به قبل مُعاينة ردّ فعل إسرائيل وكيف يكون انتقامُها الموعود.


ليلةٌ ساخنة لم تُفضِ لشىءٍ تقريبًا؛ لكنها «بروفة» مُقلقة لما يُمكن أن تؤولَ إليه الأوضاع. ومصدرُ القلق أنها تُعزِّز فرضيّةَ الحرب الإقليمية الواسعة؛ حتى لو بدت اليوم بعيدةً نسبيًّا ولم تكتمل شروطُها. حصيلةُ الضربة لم تخرج عن ثابت «الصبر الاستراتيجى» الذى تعتنقه إيران؛ لكنها خرجت على قواعد الاشتباك المَرعيّة، وحملت انتقالاً عريضًا من صراعات الظلِّ إلى المُواجهة العلنيّة بالأصالة. وإذا كانت طهران تُلامُ على استثمارها غير الأمين فى المحنة الفلسطينية، وعلى تفخيخ بعض دول المنطقة؛ فلا يُمكن لَومُها فى رفض التعدِّى الفَجّ على أُصولها الدبلوماسية. وبينما تجاهل الغربُ كلّه قصفَ إسرائيل للقُنصلية قبل أُسبوعين؛ تدافع كثيرون منهم لإدانة الردِّ، ودُعِيَت مجموعة السبع على عَجَلٍ. وقاحةُ الانحياز ممَّا يُرشِّح الأُمور للتصاعُد، ويُؤكِّد أنَّ الصدامَ مُؤجّلٌ لكنه واقعٌ حتمًا. ومن الإشارات عليه أنه صار راسخًا فى يقين الفاعلين الدوليّين أنَّ الاحتلالَ أعدَّ عُدّتَه لنِزالٍ وَشيكٍ فى لبنان، وتطوَّرت لُغته وأحاديثُ الوسطاء من إزاحة «حزب الله» شمالَ نهر الليطانى، إلى نَزع سلاحه وتجريده من قُدراته بالكامل. ومهما كان منسوبُ الصبر؛ فإنه لن يصمُدَ حالما تصل خطّة تقويض المحور الشيعى وقصقصة أجنحته إلى مستوىً يُنذر بالخطر، ويُهدِّد الأُصول العسكرية التى بُنِيَت أصلاً للتحويط على إيران، وبالمنطق والحتميّة سيكونُ بَترُ الأطراف تمهيدًا للتصويب على القلب.


فى التوصيف الدقيق؛ فإن ما حدث ليس حربًا ولا مُقدِّمات لحرب، بل ردّ فِعلٍ على صفعةٍ إسرائيلية مُباغتةٍ، ومُتكرِّرة. «بايدن» طالب نتنياهو بألَّا يُعقّب على الرسالة الإيرانية، ووزير دفاعه لويد أوستن دعا نظيره الإسرائيلى يوآف جالانت لإخطارهم مُسبقًا بأيّة خطوة انتقامية. وضَبطُ المقادير هنا غرضه إتمام المشهد عند الحدود الآمنة، وإبقاء الصراع على توازناته القديمة دون تغيير. بمعنى أنَّ عواملَ التناقُض بين الطرفين حقيقية وغير مُفتعلة؛ لكنّ بعض تجلِّياتها قد تتّخذ هيئةً توافقية. وبوضوحٍ أكبر؛ فالعداوةُ أصيلةٌ لا تمثيل فيها، ولا يمنع ذلك أن يكون أحدُ فُصولِها مُجهّزًا سَلفًا؛ بالحركة الاستكشافية الحثيثة على الأقل، وليس بعقدٍ مُفصَّلِ البنود. وانتهاء الهجمة بآثارٍ شديدة المحدودية له أحد احتمالين: الهندسة المقصودة لإبراء الذمة، أو العجز عمَّا هو أكبر، والثانية تُرجِّح المُبالغةَ فى إمكانات إيران وتسليحها وبرنامجها الباليستى، بأكثر ممّا تُحمَلُ على عدم رغبتها فى منح مكاسب مجّانية للصهاينة الراغبين فى التصعيد؛ لأنها فى واقع الأمر أنعشت الدعمَ الغربىّ للاحتلال بعد خفوته نسبيًّا، وعزَّزت حَرفَ الأنظار عن الضحايا الغزِّيين، وألقت طوقَ نجاةٍ لنتنياهو؛ بينما تتصاعدُ التظاهراتُ ضِدّه ويُتَّهَم بتعطيل مُفاوضات الهُدنة. بالضبط كما أنقذه «طوفان الأقصى» من انشقاقات الجبهة الداخلية على أثر خطّة الإصلاح القضائى.


لا يبدو «بايدن» مُهتمًّا بمسألة كَسر الهَيبة وتحريك قواعد الاشتباك، والدليل أنه دعا نتنياهو لاعتبار الليلة نصرًا والاحتفال بنتيجتها الأخيرة. ما يعنى أن واشنطن ترى طهران تحت السقف، وفى عِصمة الرَّدع أينما ومتى شاءت؛ ولو أرادت تعظيمَ الضغوط لترويض زعيم الليكود واستعادة الاتفاق النووى. الفحصُ السريع يقطعُ بأن إسرائيل اعتادت التحرُّشَ بالحرس الثورىّ فى سوريا دون انشغالٍ بالعواقب، وخلال ستة أشهر نفَّذت أكثر من 100 هجوم بمُسيَّرات وصواريخ، ودمّرت 154 هدفًا، وقتلت قرابة 300 عنصرٍ بينهم نحو 20 من قيادات فيلق القدس وعشرات من لواءى «فاطميون، زينبيون» الأفغان والباكستانيّين.. اليوم؛ لم يعُد مَوثوقًا ما إذا كانت المنطقةُ ستُحافظ على اتّزانها الحَرِج؛ أم تنزلقُ إلى تصعيدٍ يُمهِّد لمُواجهةٍ شاملة.. اليمين الصهيونى يسعى للخروج من الفوضى بترتيباتٍ إقليمية مُحدَّثة، أو على الأقل ترميم جداره المُتهدِّم حتى لا تتكرَّر مُغامراتُ القفز عليه، و«محور الممانعة» غايته أن يصرف رصيدَ التضحيات الفلسطينية لحساب مُفاوضات الغُرَف المُغلقة، مُستفيدًا منها فى تثبيت نقاط انتشاره ونفوذه. وفيما بينهما تذوبُ مُعاناة الغزِّيين، وينحرفُ الصراعُ لمسائل فرعيّة، وتُستحضَر كلُّ علامات الرعب والرَّدع؛ محمولةً على الوجود الأمريكى أو الأذرع الميليشيّاتية. إنها مُغامرةٌ شديدة الخطورة من الطرفين؛ وأخطر ما فيها أنها لا تنحصرُ فى المعارك الظرفيّة المُعجَّلة، كما لن تكون بديلاً نهائيًّا عن الصِّدام الحتمىّ المُؤجَّل.


طبيعةُ الخطاب الراديكالى الشيعى تستبقى دولةَ الاحتلال عدوًّا دائمًا، على شرط الاعتقاد والصلابة المبدئيّة وتبريرات الأيديولوجيا، والصهاينةُ يرون فى «الثورة الإسلامية الخُمينيّة» تهديدًا عاصفًا، يتعاظمُ مع طموحاتها العسكرية، وامتدادها الجغرافى المُتَّسع من بعض دول الطوق حتى عُمق فلسطين التاريخية..

والتناقضُ المُركَّب؛ أنَّ كلّاً منهما احتياجٌ وجودىّ للآخر، وأنه يصعُبُ التعايُش الهادئ بينهما كأُصوليَّتين جارحتين؛ كما لا يبدو وَشيكًا أن تُطيحَ إحداهما الأُخرى.

وعليه ستبقى المنطقةُ رهينةَ المُقامرة والجنون؛ طالما ورقة فلسطين صالحة للتجارة الشعبوية دون تسويةٍ عادلة، وبَطش إسرائيل لا يُقابله رادعٌ من قانونٍ أو سياسة، والأمريكيون يُوافقون الصهاينة فى سرديَّاتهم التوراتيّة الدامية، ويُنافسون الميليشيّات فى سلوك الغطرسة والابتزاز وإحراق الدول.. دائرةٌ كاملة من المخابيل، بعضهم مُعمَّمون وأكثرهم مُهندَمون وحَليقو الذقون؛ لكنهم جميعًا يلعبون فى فريقٍ واحدٍ ضد المنطقة، بمُعتدِلِيها وعواصمها الوازنة، ولا أُفقَ لألاعيبهم سوى الموت والخراب.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة