ابتعدت عن العالم إلى القفار ومواضع الكلأ بعيدا عن العيون، فالعيون القليلة التي كانت ترقبها من على البعد كانت ترقبها فى ازدراء، كانت رائحة بول الأغنام لا تفارق أنفها، لم تر جسدها وما حل به إلا بعد أن فارقت الأغنام وعصاها، وما تركت لها في أعماقها من أثر سنوات السير خلف القطيع علمتها الصبر على الضياع.
علمتها سنوات العزلة الهروب من الحق، لأنه مكلف يحتاج إلى الأقوياء من الناس، وأنها كانت دائمة الحرص والخوف من الذئاب، آلاف الساعات من الصمت سعيا وراء الكلأ، كم هي متعبة لقمة العيش، القوت الذي نتقوى به، تعبت من تسوق قطيعها إلى موارد العيش، هي تريد أن تساق، أن تتبادل الأدوار، يلوح لها بالعصا من بعيد، فترتدع وتعود وتحذر الآخرين من الابتعاد، فلن ينال إلا الضرب بالعصا، الذئب قائم خلف المدير، يهدد من يحاول أن يتحرر، الموت يتربص به ينتظر لحظة الانفصال، كي ينقض، أتقنت الدرس لم تحاول أن تتعلم غيره، تتعرف على الأشياء التي لم تقابها من قبل، إن الذئب لا وجود له، وأنها مجرد تهديد، حتى تعيش في الأسر، تخاف من اللا شيء، تدمن السكوت، المتواصل، علمتها سنوات الرعي أن لا تنام، مخافة أن يسرق الأخرين حصاد الشقاء، وإنها طالما أمنت الخوف، تنتهز الفرصة كذئب، دمها تغير لونه رائحته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة