حنان يوسف

الإعلام ودعم استراتيجية الدولة

الإثنين، 23 ديسمبر 2024 06:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلمة استراتيجية هي كلمة يونانية الأصل بغرض فهم الموضوع من بدايته، فعليك معرفة جذور كلمة "استراتيجية"؛ لتضع يدك على مقدمات مفهوم التخطيط الاستراتيجي للدولة، يرجع البعض أصل الكلمة إلى استراتيجوس، وهي باليونانية تعني فنون الحرب وإدارة المعركة، كما يعرف قاموس أوكسفورد  كلمة  استراتيجية بأنها تعني فن تعبئة وتحريك المعدات الحربية؛ مما يدل على أهمية مكانة الاستراتيجيات وتنظيم الخطط وحصر دورها في المعارك بالماضي ومن الواضح أن الاستراتيجيات والتخطيط للمعارك أثبتت كفاءتها حين اعتمدت على أفكار خلاّقة وأرقام تعبر عن حقائق وأهداف طموحة، لذا انتقل التخطيط الاستراتيجي من ساحة المعركة خارج أسوار المدينة إلى داخلها؛ ليتم استخدامه في إدارة الاقتصاد والموارد الطبيعية والبشرية وتدبير شؤون الدولة العامة. 


وفي مقدمتها الإعلام  حيث هناك دور  للإعلام في الأجندة السياسية و مكانة سياسية لا يستهان بها، ومقام كبير لا جدال فيه؛ وذلك بفضل ما يمتلكه من قدرة على التأثير والإقناع، وتشكيل الأفكار، وصناعة الرأي العام، ولقد أصبح الإعلام عنصراً رئيساً من عناصر التنمية وعاملاً ذا أهمية متزايدة في التطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ولأن الإعلامَ الحديث أحدُ أهم وسائل الاتصال في عصر المعلومات الرقمية الموسوم بالسرعة في نقل الخبر والمعلومة، فقد تمكن من اختراق الحدود والحواجز بين الدول والشعوب، مستثمراً وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة التي عززت دوره في المجالات كافة، خاصةً المجال السياسي.


وأثبتت الكثير من الدراسات أن نجاح التخطيط الاستراتيجي الشامل يحتاج بشكل أساسي على مدى توفر سند إعلامي إستراتيجي، لذلك أصبح الإعلام الاستراتيجي أحد القوى التي تعتمد عليها الدول، لأنه يمثل قدرة الدولة على التواصل مع الجمهور وقدرتها في التأثير عليه، وان الضعف في ذلك يعني منح الفرصة لإعلام الغير للتواصل مع الجمهور وبالتالي تشكيله وفق رؤية أخرى قد تكون مناقضة كليا لمتطلبات الدولة، كما يعني الإعلام الاستراتيجي على المستوى الخارجي القدرة على التواصل مع الجمهور العالمي وتشكيل رأي عالمي، مما يعطي الفرصة لتمرير مصالح الدولة على الساحة الدولية والعكس صحيح.


ومن هنا تأتي أهمية بلورة رؤية استراتيجية موحدة تجاه الإعلام يتم من خلالها تحقيق الأهداف والغايات، إذ لا يعقل أن ينطلق الإعلام الاستراتيجي دون رؤية استراتيجية يتم من خلالها الاتفاق حول الأهداف الاستراتيجية والأسس والمرتكزات الاستراتيجية، وهذا يقود إلى أن الإعلام الاستراتيجي لا يمكن أن ينطلق لخدمة لا شيء، وهذا يعني أن منصة الانطلاق للإعلام الاستراتيجي هو وجود رؤية استراتيجية شاملة تغطي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليعمل الإعلام الاستراتيجي لخدمة تلك الرؤية الاستراتيجية.


ومن أهداف الاعلام الاستراتيجي أن الإعلام الاستراتيجي يمثل السند المطلوب لتحقيق غايات بعيدة ويحتاج إلى مرتكزات إستراتيجية للإعلام، ومن أهدافه:


امتلاك القوة الاستراتيجية من وسائل اتصال حديثة وتحقيق السيطرة الاعلامية في التواصل مع الناس وتوفير السند المطلوب لتحقيق الرؤية والغاية والهدف المنشود.

ومن العناصر الأساسية للإعلام الاستراتيجي تحديد المداخل الاعلامية المناسبة: وهو يحتاج إلى جمع معلومات وبيانات مفصلة حول الجمهور المستهدف بالخطاب، فوسائل وأساليب مخاطبة الشباب تختلف عن تلك المتعلقة بمخاطبة الكهول، فلكل منهم مدخل مناسب لمخاطبتهم، ويعرف ذلك من خلال تحليل المعطيات النفسية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها بما يمكن من معرفة المدخل المناسب للجمهور المناسب والإرسال الاستراتيجي للوصول للجمهور المستهدف باختيار وسيلة الاعلام المناسبة، بامتلاك التكنولوجيا المناسبة كالأقمار الاصطناعية وغيرها، فاستهداف الشباب لا يكون بالوسائل التقليدية كالإذاعة والجرائد والتلفزيون وإنما يكون من خلال السوشيال ميديا ، وعلى الوصول للجمهور باللغة المناسبة أي التواصل مع الجمهور بلسانه وتاريخه ومعرفة كل ما تعلق به، حتى لو اقتضى الأمر إلى مخاطبته باللغة العامية، فلا نستطيع أن نخاطب جمهور بلغة لا يفقهها والوصول للجمهور بالجودة العالمية والتميز، كاستخدام الهواتف الذكية وتطبيقاتها، او استخدام وسائل وأساليب مبتكرة وهو ما يقتضي التيقظ ومراعاة التحولات والقفزات العلمية اليومية، وإلا ستفقد السيطرة على الجمهور لصالح قوى أخرى ابتكرت وسائل ‘علامية جديدة جذابة للجماهير.

كذلك البناء الفكري التراكمي حيث يقوم المفهوم الاستراتيجي على تحقيق الغاية عبر رسائل متعددة ومتنوعة وعبر مراحل طويلة وبهدوء، فمثل ما يقع بناء البيت بأجزاء عديدة يقع تجميعها وفق تصميم هندسي متميز، فكذلك البناء الفكري والتغيير المجتمعي يحتاج إلى بناء تراكمي تتعدد فيه الاساليب والوسائل لتشكيل العقل والنفس وفق الرؤية الاستراتيجية.


عليه فيمكن القول، إن التخطيط الاستراتيجي الإعلامي ليس مضيعة للوقت مهما بذل من جهد، بل إنه على العكس يوفر الوقت الكثير الذي يمكن أن يضيع في حالة مواجهة مواقف دون وجود خطة إعلامية لمواجهتها، وما يحمله ذلك من ارتباك وتردد قد يؤدى إلى تدمير العمل كله أو تقليل فرص نجاحه، لذلك فإن وضع الخطة الإعلامية هو الضمان للاستمرار ، مادام الأشخاص يتغيرون، فوجود الخطة يضمن استمرار العمل ويؤكد فعالية الجهود وتوجيهها في الاتجاه السليم وتحقيق أقصى استفادة منها فالتخطيط يتعلق دائما بالمستقبل، ويعتمد على التوقع بما ستكون عليه الأوضاع والظروف مستقبلا، ولذلك فالتخطيط يعتبر عملية صعبة محفوفة بالمخاطر، ويجب مراعاة عدة أسس واعتبارات من المهم القيام بها لضمان نجاحها في التوصيل إلى خطة واقعية وجيدة من أجل تطوير أداء الإعلام  لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة.


وعلى جميع  أجهزة الدولة أن تتبنى منهجا للتخطيط الإعلامي في جميع قطاعاتها ووزارتها ومؤسساتها، وأن تنشئ إدارات خاصة بمهمة التخطيط الإعلامي تكون وظيفتها وضع الخطط الإعلامية على فترات زمنية ممتدة بأهداف واضحة مستمدة بشكل استراتيجي وإجرائي يتم فيه رصد جميع الأهداف التنموية مع الإنجازات المتحققة حتى يستطيع الإعلام أن يقوم بدوره الحقيقي في دعم مسيرة البناء والتنمية.


ويبرز دور الإعلام وأهميته في أوقات الأزمات والحروب، إذ تشكل وسائل الإعلام الوجهة الرئيسية للمهتمين بمتابعة الحدث ومراقبة التطورات. ولا يختلف اثنان على مدى تأثير هذه الوسائل في تكوين وجهات النظر لدى المتلقين عن طريق السياسة التي تعتمدها في تسليط الضوء على الحدث، فهي تتحول من كونها مسؤولة عن نقل “الحقيقة” إلى المساهمة في تشكيل الرأي العام وصوغ مواقفه وتحركاته. 


•ولكن يبقى هناك ضوابط ومعايير مهنية متعارف عليها، تقتضي أن تلتزم بها وسائل الإعلام، تتمثل في التقيد بمجموعة من المبادئ والقيم والسلوكيات، أهمها: نقل الواقع والحقيقة بتجرد، والدقة في نقل المعلومة، والشفافية، وتجنُب كل ما من شأنه إثارة خطاب الكراهية والعنصرية، وغيرها.


والمنطلقات الأساسية التي تبني عليها الإستراتيجية هي :
-أهمية تقديم صورة إيجابية للدولة من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية العليا للوطن،
وأهمية ومصداقية الإعلام المهني في القيام بتصحيح صورة الدولة ودعم خطط التنمية والبناء .
وأهمية إستثمار مفردات القوي من إعلام وثقافة ومفكرين واقتصاديين من أجل نقل صورة إيجابية مشرفة وتطوير  مستوي الأداء الإعلامي في الداخل .
وتعزيز قدرة الإعلام  الوطني علي التشبيك داخليا وخارجيا بين قطاعات الدولة المختلفة الحكومية وغير الحكومية من أجل تحقيق أهداف الدولة ونقل صورة إيجابية عنها بالخارج وتطوير أداء الإعلام بالداخل والخارج.


وعليه فمن الأهمية  بناء استراتيجية ورؤية تحمل رغبة فى تفعيل دور الإعلام في دعم استراتيجيات الدولة وألا يقف موقف المتفرج بل يتعين أن يكون له دور فى المشاركة النشطة مما يعزز مصالح الدولة وقضاياها  بمواد متجددة وجذابة واستخدام الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الرقمنة في مواجهة حروب الجيل الرابع وما بعدها ، بالإضافة إلى ضرورة فهم الأخر وتطوير الذات وتقدير المبدعين ،وبذلك تتشكل العناصر اللازمة لبناء الدرع الإعلامي الفعال الداعم لاستراتيجية الدولة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة