تواصل الصراع فى زمن الخليفة المعتمد مع الزنج، لكن في سنة 269 هجرية، استطاع جيش الخليفة بقيادة أحمد الموفق أن يحقق نجاحات كبيرة، فما الذي يقوله التراث الإسلامي، ولماذا وقع شقاق بين الخليفة وأخيه الموفق؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة تسع وستين ومائتين":
فيها اجتهد الموفق بالله فى تخريب مدينة صاحب الزنج فخرب منه شيئا كثيرا، وتمكنت الجيوش من العبور إلى البلد، ولكن جاءه فى أثناء هذه الحالة سهم فى صدره من يد رجل رومى يقال له: قرطاس، فكاد يقتله، فاضطرب الحال لذلك وهو يتجلد ويحض على القتال مع ذلك، ثم أقام ببلده الموفقية أياما يتداوى فاضطربت الأحوال وخاف الناس من صاحب الزنج، وأشاروا على الموفق بالمسير إلى بغداد فلم يقبل فقويت علته ثم من الله عليه بالعافية فى شعبان، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا، فنهض مسرعا إلى الحصار فوجد الخبيث قد رمم كثيرا مما كان الموفق قد خربه وهدمه.
فأمر بتخريبه وما حوله وما قرب منه، ثم لازم الحصار فما زال حتى فتح المدينة الغربية وخرب قصور صاحب الزنج ودور أمرائه، وأخذ من أموالهم شيئا كثيرا مما لا يحد ولا يوصف كثرة، وأسر من نساء الزنج واستنقذ من نساء المسلمين وصبيانهم خلقا كثيرا فأمر بردهم إلى أهاليهم مكرمين.
وقد تحول صاحب الزنج إلى الجانب الشرقي، وعمل الجسر والقناطر الحائلة بينه وبين وصول السمريات إليه، فأمر الموفق بتخريبها وقطع الجسور، واستمر الحصار باقى هذه السنة، وما برح حتى تسلم الجانب الشرقى أيضا واستحوذ على حواصله وأمواله، وفر الخبيث هاربا غير آيب، وخرج منها هاربا وترك حلائله وأولاده وحواصله، فأخذها الموفق وشرح ذلك يطول جدًا.
ولما رأى الخليفة المعتمد أن أخاه أبا أحمد قد استحوذ على أمور الخلافة، وصار هو الحاكم الآمر الناهي، واليه تجلب التقادم وتحمل الأموال والخراج، وهو الذى يولى ويعزل، كتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه ذلك، فكتب إليه ابن طولون أن يتحول إلى عنده إلى مصر ووعده النصر والقيام معه، فاستغنم غيبة أخيه الموفق وركب فى جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد، وقد أرصد له ابن طولون جيشا بالرقة يتلقونه، فلما اجتاز الخليفة بإسحاق بن كنداج نائب الموصل وعامة الجزيرة اعتقله عنده عن المسير إلى ابن طولون، وفند أعيان الأمراء الذين معه، وعاتب الخليفة ولامه على هذا الصنع أشد اللوم، ثم ألزمه العود إلى سامرا ومن معه من الأمراء فرجعوا إليها فى غاية الذل والإهانة.
ولما بلغ الموفق ذلك شكر سعى إسحاق، وولاه جميع أعمال أحمد بن طولون إلى أقصى بلاد إفريقية، وكتب إلى أخيه أن يأمن ابن طولون فى رد العامة، فلم يمكن المعتمد إلا إجابته إلى ذلك، وهو كاره، وكان ابن طولون قد قطع ذكر الموفق فى الخطب وأسقط اسمه عن الطرازات.
وفيها: فى ذى القعدة وقعت فتنة بمكة بين أصحاب الموفق وأصحاب ابن طولون، فقتل من أصحاب ابن طولون مائتان وهرب بقيتهم، واستلبهم أصحاب الموفق شيئا كثيرا.
وفيها: قطع الأعراب على الحجيج الطريق، وأخذ منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة