بيشوى رمزى

تجمع "بريكس".. "التعددية" في مواجهة "أدوات الهيمنة"

الأحد، 27 أغسطس 2023 02:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الأربعينات من القرن الماضي، تغيرت موازين القوى الدولية، فصارت الولايات المتحدة، ليست مجرد طرفا فاعلا في العلاقات الدولية، وإنما أصبحت قوى، تمثل أحد كفتى الميزان العالمي، التي تشكلت على أثرهما الثنائية القطبية، والتي انطلقت منها حقبة ما يسمى بـ"الحرب الباردة"، والتي استمرت حتى التسعينات، عندما انهار الاتحاد السوفيتى، فبدأت بعد ذلك "الهيمنة" الأحادية، التي سيطرت خلالها واشنطن، على مقاليد العالم بمفردها، ليختل التوازن الدولي، جراء عدم وجود قوى حقيقية يمكنها مزاحمة بلاد "العم سام"، فصارت العقوبات بمثابة "العصا" التي تلاحق "المارقين"، بينما الغزو وإسقاط الأنظمة السبيل لإخضاعهم، وهو ما بدا في العديد من النماذج التي زخرت بها العقود الثلاثة الماضية.
 
ولكن بعيدا عن تقييم "الهيمنة"، وتداعياتها الكبيرة على العالم، ربما نبدو في حاجة إلى تأمل المشهد الدولي، إبان عملية "الترتيب" التي تتزامن مع انطلاقة كل حقبة من الحقب المذكورة، فمع نهاية الحرب العالمية الثانية، نجد أن ثمة مؤتمرات عقدتها القوى الجديدة الصاعدة، والتي أرادت فرض قواعدها على العالم، أو بالأحرى الأدوات، التي من شأنها إرساء قيادتها فعليا على العالم، على غرار مؤتمر "بريتون وودز"، في عام 1944، والذي أرسى هيمنة الدولار، وكذلك مؤتمر "سان فرانسيسكو" في أكتوبر 1945، والذي تأسست عليه منظمة الأمم المتحدة، لتكون الوريث الشرعي لعصبة الأمم، بالإضافة إلى معاهدة واشنطن في عام 1949، والتي أسست حلف شمال الأطلسى "الناتو".
 
وهنا اعتمدت الولايات المتحدة في قيادتها للمعسكر الغربي على أدوات، منها ما هو اقتصادي، يتجسد في الدولار، وسياسي، عبر الذراع الأممي، الذي من شأنه منح الشرعية الدولية للخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة، وحلفائها تجاه العالم، وأخرى عسكرية، عبر تشكيل "الناتو"، والذي يمثل ذراعا عسكريا، لإضفاء غطاء من الحماية، على الحلفاء في أوروبا الغربية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية وما تركته من آثار كبيرة عليها، وهي الأدوات نفسها، التي اعتمدتها بعد ذلك بما يزيد عن أربعة عقود، في أعقاب الحرب الباردة، وإن زاد عليها، الاتحاد الأوروبي، والذي جاء ليملأ الفراغ الناجم عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وإضفاء مزيد من الشرعية على القرارات الأمريكية، خاصة إذا ما فشلت "الشرعية الأممية"، على غرار الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي رفضه مجلس الأمن، فنالت واشنطن مباركة أوروبا الغربية.
 
وفي الواقع، فإن الإرهاصات الحالية، والتي تنم عن انطلاقة حقبة دولية جديدة، تبدو واضحة، ليس فقط مع صعود قوى جديدة يمكنها مزاحمة الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي، وإنما أيضا في عملية "الترتيب" لها، وهو ما يبدو في صعود واتساع مجموعة "بريكس"، والذي عقد قمته الأخيرة في جنوب إفريقيا، الأسبوع الماضي، حيث يمثل في جوهره، نقطة انطلاق جديدة، تعتمد حالة من التعددية، يظهر فيها بوضوح تأثير القوى الصاعدة، على غرار الصين وروسيا والهند، بما يمتلكوه من إمكانات هائلة تمكنهم من مزاحمة القوى المهيمنة على العالم، بينما يسعى إلى إنهاء "هيمنة" الدولار، على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى إضفاء قدر كبير من الحماية الاقتصادية إلى دول العالم النامي، بعدما نالت قسطا كبيرا من التجريف بسبب سيطرة القوى الكبرى وحلفائها على مقدراتهم الاقتصادية، في ظل صياغة الحالة الصراعية الدولية الجديدة، والتي ستنطلق في جزء كبير منها في إطار "طبقي" بين دول العالم المتقدم، والنامي، وهو ما يبدو في محاولات القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، لتقديم نفسهم في صورة المدافع عن تلك "الطبقة الدولية النامية" في مواجهة "شراسة" القوى الكبرى.
 
ولعل أهم ما يميز "بريكس" مقارنة بأدوات "الهيمنة" الأمريكية سالفة الذكر، هو أنه يعتمد مبدأ "الشراكة" بين أعضاءه، بعيدا عن التحالفات التقليدية، التي تبنتها الولايات المتحدة، وهو ما يبدو بالنظر إلى أعضاء المجموعة، والتي نجد أن ثمة خلافات بين أعضائها، على غرار العلاقة بين الصين والهند، وبينما تعتمد في عملها على التركيز على المصالح المشتركة، وهو ما يمثل انعكاسا لطبيعة النظام الدولي، في حقبته الجديدة، والتي ربما لن تعرف "تطابقا" في وجهات النظر، وهو ما يبدو في حالة التصدع الملموس في المعسكر الغربي، في الآونة الأخيرة، بدءً من تراجع دور الاتحاد الأوروبي، بل المساعي الأمريكية لتقويضه، مرورا بالتلويح الأمريكي بالانسحاب من المنظمات التي أسستها بنفسها منذ ما يقرب من ثماني عقود كاملة، على غرار الناتو والأمم المتحدة، في عهد ترامب، وحتى الخلافات الأمريكية الأوروبية حول الموقف من روسيا والوضع في أوكرانيا، وكذلك العودة لزمن التعريفات الجمركية، وغيرها من القضايا الخلافية.
 
وهنا يمكننا القول بأن صعود "بريكس" هو بمثابة خطوة جديدة لتجريد الولايات المتحدة من هيمنتها الاقتصادية، عبر الدولار، من خلال خلق سلة عملات جديدة يمكن الاعتماد عليها في التجارة بين أعضائها، خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يمثل حلقة جديدة من مسلسل "مطاردة" النفوذ الأمريكي والغربي، أو بالأحرى مواجهة "أدوات الهيمنة"، سواء سياسيا، من خلال صعود دور منافسيها في العديد من مناطق العالم، على غرار الشرق الأوسط، وإفريقيا والتي طالما اعتبرها الغرب بمثابة عمقا استراتيجيا له، ناهيك عن إرهاصات تبدو واضحة حول تشكيل كتلة "أوروآسيوية"، بين روسيا والصين وحلفائهما، ربما تمثل نواة لتحالف عسكري محتمل، يمثل نداً للناتو في المستقبل القريب.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة