بيشوى رمزى

انتقال "دوائر" الصراع الإقليمى.. من الشرق الأوسط إلى أفريقيا "نموذجا"

الثلاثاء، 15 أغسطس 2023 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي شهدت فيه منطقة الشرق الأوسط، حالة من الاستقرار النسبي، يبدو أن ثمة انتقالا ملموسا لدائرة الصراع نحو أقاليم أخرى، وفي القلب منها أفريقيا، وهو ما يبدو في النموذج السوداني، من جانب، والتطورات الأخيرة في النيجر من جانب آخر، وكلاهما قابل للتمدد إلى دول الجوار، بل والتوغل نحو مناح دولية، في ظل تداخل قوى كبرى، على خط الأزمات، تزامنا مع تحول القارة إلى منطقة استقطاب، خلال السنوات الماضية، جراء الصعود الكبير للصين، وعودة روسيا تدريجيا إلى سابق عهدها، ليخلقا حالة من التنافس على قمة النظام العالمي، مع الولايات المتحدة، وهو ما بدا في محاولات الدعم المتواصل من قبل الغرب للدول الإفريقية، عبر قمم متواترة، ومنح لمساعدتها على تجاوز التداعيات الكبيرة للأزمات الدولية الراهنة، سواء المرتبطة بالتغير المناخي أو الوضع في أوكرانيا.
 
انتقال الصراع إلى أفريقيا يبدو مرتبطا بمسارين متوازيين، أولهما التراجع الكبير في نفوذ "المعسكر الغربي" في أفريقيا، لصالح القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين، بينما يبقى الثاني متجسدا فى حالة الاستقرار النسبي، وربما غير المسبوق منذ عقود طويلة، في منطقة الشرق الأوسط، بفضل حزمة من السياسات التي قادتها الدول الرئيسية في المنطقة، أثمرت عن مصالحات بين القوى الإقليمية المتنافسة، على غرار الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي يساهم بصورة أو بأخرى في تخفيف حدة الاحتقان على المستوى الإقليمي، مما يدفع إلى استثمار المستجدات على الساحات الأخرى، وبالأخص القريبة نسبيا من مناطق الصراع التقليدية، لتقديمها كبديل "صراعي" يمكن استثماره لاستعادة قدر كبير من الزخم المفقود بالنسبة للغرب.
 
ولعل أخطر عوامل الصراع الذي باتت تشهده إفريقيا، أو ما قد تشهده مناطق أخرى في العالم، ليس مجرد قابليته للتمدد والانتشار على المستوى القاري، وإنما تشابكه مع صراعات "الدائرة" الدولية الأوسع نطاقا، على غرار الأزمة الأوكرانية، وما تحمله من تداعيات كبيرة على الدول النامية، ناهيك عن الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، في إطار تشكل حقبة دولية جديدة، تحمل طابعا تعدديا، بعيدا عن الهيمنة الأحادية التي سادت العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما يترجم التداخل الكبير، والمباشر، للقوى الدولية المتنافسة، في قلب الأزمات القارية الجديدة.
 
فلو نظرنا إلى الأزمات الشبيهة التي نشبت سواء في إفريقيا، أو غيرها من مناطق العالم، خلال سنوات الهيمنة الأحادية، نجد أن مواقف الغرب انحصرت في معظمها على بيانات الإدانة واستخدام "عصا" العقوبات، إلا في الظروف الاستثنائية، على غرار التدخل العسكري في العراق وأفغانستان، والذي كان يهدف في الأساس إلى تعزيز القيادة الأمريكية للعالم، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، في إطار ما يسمى بـ"صراع الحضارات"،  والتي أرساها أولا السياسي الأمريكي صموئيل هنتنجتون، في مقال له في التسعينات من القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة، وهو ما بدا صراعا من طرف واحد، في ظل غياب القوى التي يمكنها منافسة الولايات المتحدة، خلال تلك الفترة، وهو ما يعكس أن ثمة ارتباطا مباشرا بين تعزيز الهيمنة الأمريكية، واستمرار حالة الصراع الدولي، شريطة أن تصيغه الولايات المتحدة نفسها، وليس مفروضا عليها.
 
بينما يبقى الوضع مختلفا إلى حد كبير في اللحظة الراهنة، عن تلك التي شهدها العراق مع بداية الألفية، في ظل وجود قوى أخرى، وعلى رأسها روسيا، تبدو متحفزة للتدخل المباشر، ومواجهة منافسيها في مناطق تبتعد عن مواقع الصراع الأصلية (أوكرانيا)، لتعزيز نفوذها وكسب أكبر قدر من التأييد الدولي، عبر تقديم نفسها كمدافع عن الشعوب في مواجهة التدخلات الخارجية، وهو الأمر الذي سبق وأن قامت به موسكو، في مناطق أخرى، وإن كان ذلك فى إطار الحرب على الإرهاب فى سوريا قبل عدة سنوات، لتجد لنفسها، منذ ذلك الحين، موطئا مهما للنفوذ في الشرق الأوسط، وبالتالي ربما تصبح الصراعات الجديدة المحتملة، في مناطق أخرى، على غرار أفريقيا، بمثابة فرصة أخرى لتوسيع دوائر نفوذها في العالم، وهو ما ينطبق نسبيا على الصين، والتي تحاول الولايات المتحدة ممارسة الضغط عليها عبر ملف تايوان بين الحين والآخر.
 
وهنا يمكننا القول بأن الصراعات الإقليمية الجديدة باتت تتشابك مباشرة مع الصراع الدولي الأكبر على قمة النظام العالمي، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا، حال تفاقمها، باتساع نطاق المعركة، لتضع العالم بأسره على أعتاب حرب عالمية، وهو ما يتطلب قدرا من الهدوء والحكمة في التعامل مع الملفات الإقليمية الحساسة والقابلة للانفجار في أي لحظة، وهو ما تسعى إلى تحقيقه الدولة المصرية في محيطها الجغرافي، في تعاملها مع الأزمة السودانية، حيث تسعى فيها إلى تضييق نطاق التدخل الدولي، ليقتصر على دول الجوار، والذي يقوم دورها على دعم الدولة ومؤسساتها والعمل على تهيئة البيئة لتحقيق حوار جاد بين أطراف الصراع، دون الانحياز لطرف على حساب الأخر، وهو ما يعكس رؤية عميقة للمخاطر التي قد ينجم عنها تفاقم الأزمة وتوسيع نطاق التدخل الدولي فيها، في ظل أزمات متواترة، وصراعات أكبر على المستوى العالمي.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة