بيشوى رمزى

الديمقراطية و"الحوار الوطنى".. بين تصدير النموذج واستلهامه

الإثنين، 21 أغسطس 2023 01:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة من التنافر هيمنت على العلاقة بين الخطاب الدولي، الذي تبنته القوى الدولية الكبرى، خلال العقود الماضية، والذي اتسم بقدر كبير من المثالية والتنظير، حول منظومة القيم، التي أرستها الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب الأوروبي، والتي تراوحت بين الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية وحرية الرأي والتعبير من جانب، والممارسات السياسية التي اعتمدتها نفس القوى من جانب آخر، وهو ما يبدو في العديد من النماذج الدولية، خلال السنوات الماضية، بينما تجلى بصورة أكبر مؤخرا، مع تغير الظروف الدولية، وتصاعد الأزمات، وبزوغ قوى دولية جديدة لديها القدرة على مزاحمة النفوذ الأمريكي.
 
التنافر بين الخطاب والممارسات الدولية، بدا واضحا في العقود الثلاثة الماضية، في ظل "صراخ" القوى الكبرى دفاعا عن الديمقراطية في إطار من التعددية، على سبيل المثال، بينما سعت في الوقت نفسه على فرض، أو بالأحرى تصدير، نموذج بعينه على شعوب العالم، رغم اختلاف البيئة والظروف، إلى الحد الذي وصل إلى استخدام آلية الغزو العسكري، وما شابه من انتهاكات، ربما تعكس أهداف نتجاوز منظومة القيم، بل وتمثل انتهاكًا لها، على غرار ما شهدته العراق، إبان الغزو الأمريكي لأراضيها في عام 2003. 
 
إلا أن تلك الحالة المتنافرة بين "المثالية" الخطابية، والممارسات، توارت إلى حد كبير وراء الهيمنه الأحادية، التي سيطرت على العالم إبان العقود الثلاثة الماضية، وهو ما يرجع في جزء كبير منه إلى غياب البديل، الذي يمكنه الوقوف في مواجهة القوى الدولية الحاكمة للنظام العالمي، فلم يكن هناك صوتا، أو بالأحرى خطاب دولي مناهض، يمكنه مناظرة واشنطن، والتي كانت لديها خيارات واسعة، لفرض رؤيتها، إذا فشلت في تمريرها عبر الأمم المتحدة، عبر تشكيل تحالفات، ولو شكلية، بهدف إضفاء شرعية بديلة لتلك التي تمنحها المنظمة الأممية، وهو ما حدث في العراق، عندما تجاهلت واشنطن رفض مجلس الأمن التدخل العسكري في بغداد، بينما اتجهت نحو تحالف "رمزى" كبديل للشرعية الأممية.
 
ولكن مع صعود قوى دولية جديدة، على غرار روسيا والصين، باتت الحالة المتنافرة أكثر وضوحا، في إطار مسارين متوازيين، أولهما ما اتسمت به تلك القوى من مرونة "قيمية"، تعتمد احترام خصوصية كل دولة، على أساس عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، بينما تقوم العلاقة فيما بينهم على أساس من الشراكة والمصالح المتبادلة، في حين اعتمد المسار الثاني قدرتها الكبيرة على الدفاع عن شركائها، سواء في المحافل الدولية، أو تقديم الحماية لها، سواء في مواجهة العقوبات الاقتصادية أو حتى في حالة التدخل العسكري.
 
وفي الواقع، فإن مزايا الحالة التعددية في النظام الدولي لا تقتصر في جوهرها على مجرد تحقيق أحد أهم المبادئ الدولية القائمة على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها، أو تقديم بديل ناجع للدول الموصومة بالمروق من قبل الغرب، وإنما امتدت إلى ظهور نماذج قابلة للتطبيق في مناطق مختلفة من العالم، يمكن من خلالها، تحقيق قدر كبير من الانسجام بين الخطاب الذي تتبناه الدولة وممارساتها السياسية، على غرار "الحوار الوطني"، في مصر، والذي يبدو حالة متفردة استلهمتها عدة دول في محيطها الجغرافي، جراء ما يتسم به من مرونة، من حيث التطبيق، ربما كانت غائبة في الإطار النمطي الذي تبنته القوى الدولية الكبرى خلال العقود الماضية.
 
عبقرية "الحوار الوطني"، في مصر تتجسد في مسارات متعددة، أولها أنه يبدو متواكبا ومنسجما مع معطيات الحقبة الدولية الجديدة، عبر تقديم نموذج للديمقراطية، في إطار مصري خالص، بعيدًا عن الحالة النمطية التي سعى الغرب تصديرها للعالم، بينما يحمل إيمانًا بالتعددية، في ظل المشاركة الكبيرة من قبل كافة الفئات، سواء السياسية في صورة الاحزاب، أو مجتمعية أو ثقافية أو اقتصادية، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان، وهو ما يعكس الرغبة الملحة في صياغة رؤية مصرية خالصة للمستقبل في كافة مناحي الحياة، في حين يبدو النموذج في ذاته، رغم مصريته الخالصة، مرنا بالقدر الذي يمكن استلهامه إقليميًا، وليس تصديره، بما يعني تطبيقة بقدر من المرونة من قبل الدول الأخرى، بحيث يمكن تكييفه مع بيئة كل دولة وظروفها.
 
وهنا يمكننا القول بأن "الحوار الوطني"، يمثل في ذاته إدراكًا مهمًا ومبكرًا للواقع الدولي، الذي تجري صياغته في اللحظة الراهنة، بينما يبقى محلا للاستلهام من قبل العديد من القوى الاخرى، لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار بها، في إطار العلاقة بين الدولة ومؤسساتها من جانب، والقوى السياسية والمجتمعية المتواجدة بها من جانب آخر، مع إمكانية تكييفها حسب الظروف المتاحة لكل دولة، وهو ما يساهم في صياغة منظومة من القيم خاصة بها، تتوافق مع البيئة الداخلية والإقليمية، مما يحقق الاستقرار وليس الفوضى، على غرار ما شهدته منطقتنا في العقود الماضية، وخاصة خلال "الربيع العربي"، الذي حمل شعارات "أفلاطونية" بينما نجم عنه تداعيات كارثية، أطاحت بالاستقرار في المنطقة لسنوات، ووضعت العديد من دولها على حافة الهاوية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة