عبدالرحمن حبيب

حصة الرسم

الخميس، 16 مارس 2023 12:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم أكن بارعا في الرسم، وكانت الفتيات يقلن "شاطر في كل حاجة إلا الرسم" وكأنها معجزة، لكننى لم أكن أحاول فيما لم أمنح فيه الموهبة فاتكلت على الله وأقعلت عن محاولات الرسم.

كانت الأبلوات كما كنا نسميهن ( لم أقابل أستاذا واحدا للرسم طول حياتي) يأتين من البيوت ليسألننا عن الألوان فكانت الحصة لا علاقة لها بأي رسم بل كان يصح تسميتها حصة السؤال عن الألوان، جبتوا الألوان ياولاد؟ أيوه جبناها، وكان الرد يأتي في نشيد جماعي تقشعر له الأبدان.

الألوان لازم تكون فلوماستر، وقد ظننت وقتها أمران الأول أن الألوان الفلوماستر أفضل من أي ألوان أخرى، وإلا فلماذا التأكيد عليها، والظن الثاني أن الكلام لابد من تنفيذه حرفيا وفقا لأوامر المعلمة، قالت أمي رحمها الله إن الألوان الخشب أفضل وظننت وقتها أنها أرخص ثم تبين لى أنها أفضل وأن الأطفال الآخرين الذين لم يكونوا ينفذون التعليمات حرفيا هم الذين ربحوا بألوان مثل أقلام الرصاص قوية وتعيش فترة أطول ويمكن مسح خطوطها، وكانت تلك خبرتى الأولى حول أن كلام الأم يكون صحيحا دائما وأننا كأطفال ليس لدينا خبرة لنصر على أشياء بعينها فلم تقل أمي رحمها الله شيئا واحدا تبين فيما بعد أنه خطأ، كل ما كانت تقوله كان عين الصواب وإن لم يبدو صحيحا في وقته.

بالعودة إلى الحصة كانت الكراسات كبيرة الحجم جدا ولها شكل غريب، ولم يعلمنا المدرسون قواعد الرسم الأولى إذ لم يكونوا يدركونها وهي قواعد النور والظل، وكيفية رسم خط، ورسم البورتريه وخلافه، فكانت الحصة عبارة عن موضوعات مثل موضوعات التعبير نحاول رسمها كيفما اتفق، النيل، الاهرامات، وهى موضوعات لا تتغير ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا.

لم أحب حصة الرسم لأننا كنا ننتقل إلى مكان آخر في المدرسة وهو ما لم يكن مفهوما بالنسبة لى، كما كنت لا أستطيع بدء رسم من فراغ الصفحة فلم يقل لى أحد أي شيء عن ذلك فبدأت أقلد من حولي أو من يقولون عليهم "العيال الرسيمة" حتى خرجت من دائرة فهم الرسم في أوقات كانت تتحول فيها حصة الرسم إلى مكلمة ووشوشة جانبية، ثم في بعض الأحيان "ننزل كلنا الحوش".

ما أتذكره بوضوح أن أحدا من الأساتذة والأبلوات لم يعلمنى حتى من باب الثقافة العامة كيف أرسم خطا ولا أختار ألوان ولا أضع خطوط حتى سكتش بسيط مع كامل الاحترام لفكرة أننى تعلمت في مدارس حكومة وفى عصر مبارك، حيث الثمانينيات وروائح الزمن الجميل هفهفهى وخدينا للماضى وسحره الخفى على رأي محمد ثروت في فيلم بنك الحظ.

"وانت يعنى كنت عاوز تتعلم الرسم في مدارس الحكومة..يا أخى احترم نفسك مش كفاية كنت بتتعلم تعليم مجاني؟"، وردى هو: "والله ياباشا ما كنت عاوز اتعلم الرسم أنا بس كنت عاوز آخد فكرة بعد إذن المدرسين يعنى".










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة