تحدثنا في المقال السابق عن الصوت والمشاعر ومدى تأثير وتأثر كلا منهما في الأخر وبالأخر، وبالأحرى تناولنا التأثيرات الإيجابية للصوت في المشاعر وقدرة الصوت على تغيير المشاعر، وأيضا قدرة بني البشر على تمييز الفروقات الدقيقة في المشاعر اعتمادا على الصوت فقط. يعد الصوت أقوى مصدر للمعلومات الاجتماعية والعاطفية لدى الإنسان، وبني البشر لديهم قدرة عالية في التمييز بين نبرة الصوت الإيجابية والسلبية، كما أن مشاعرهم وأجسادهم تتأثر بشدة في كلتا الحالتين.
تردد الصوت
خلق الله الإنسان وسخر له حاسة السمع، ومن عجائب قدرة الله ورحمته ببني البشر أنه خلق لنا مدى سمعي معين؛ بحيث تكون آذاننا قادرة على الاستماع في إطار ذلك المدى وليس أعلى أو أقل منه، ولكل كائن حي مدى سمعي معين مختلف عن بني البشر لكي يتحقق التوازن البيئي والتكامل الكوني. المدى السمعي للإنسان يترواح بين 20 إلى 20000 هرتز، بحيت يكون الإنسان قادر على سماع جميع الترددات الصوتية (أو الاهتزازات الناتجة عن الموجات الصوتية وانتقالها في الهواءFrequency ) داخل هذا المدى، وإذا تعرض الإنسان لترددات صوتية أقل أو أكثر من هذا المدى فإنه لا يستطيع سماعها أو تفسيرها. ويتأثر هذا المدى السمعي بتغير العمر، حيث أن الطفل حديث الولادة يستطيع أن يسمع ترددات صوتية أعلى من 20000 هرتز وقد تصل إلى 22000 أو 24000 هرتز بحد أقصى، ثم ينخفض المدى السمعي تدريجيا مع نمو الطفل (خلال أول 6 ل 8 أشهر) حتى يصل للمدى السمعي الطبيعي (بحد أقصى 20000 هرتز)، ويمكنك صديقي القارئ ملاحظة ذلك في الأطفال حديثي الولادة حيث تجدهم غارقين في النوم أثناء تواجدهم في حفلة صاخبة! وتتعجب كثير من الأمهات من الطفل حديث الولادة الذي يغرق في النوم مباشرة عندما يخرج خارج المنزل حيث الصخب والضوضاء، ولا ينام في المنزل الذي يتوفر فيه الجو الهادئ المناسب للنوم!
أما بالنسبة لكبار السن فوق سن ال 55 وال 65 فيقل المدى السمعي لديهم بحيث يكون أقصى تردد صوتي يمكنهم الاستماع له يترواح من 14000 إلى 17000 هرتز فقط. وتصبح الترددات الصوتية العالية مزعجة جدا بالنسبة لهم، وتؤثر على أجسادهم وصحتهم بالسلب، حيث يمكن أن تسبب لهم الترددات الصوتية المرتفعة صداع شديد، ألم في الأذن، ألم في الجمجمة قد يصل حد الارتجاج، ارتعاش في العضلات، ارتفاع ضربات القلب، واضطرابات في التنفس.
شدة الصوت
من ناحية أخرى، لكل صوت شدة معينة وتؤثر شدة الصوت على مشاعر الإنسان، بل وأيضا على جسده ونفسيته وقد تصيبه بالجنون أو بأمراض شديدة قد تصل حد الوفاة. شدة الصوت (Loudness) هي مدى علو وانخفاض الصوت، وتقاس شدة الصوت بوحدة الديسيبل ومخترعها هو العالم الأسكتلندي ألكسندر جراهام بيل (وهو مخترع التليفون أيضا). ويمكن لأذن الإنسان أن تسمع أصوات ذات شدة متفاوته تتراوح بين 0 إلى 180 ديسيبل، أما شدة الصوت المناسبة للإنسان فهي تترواح من 30 إلى 60 ديسيبل. ولا يجب أن يتعرض الإنسان إلى أصوات شدتها تتعدى 85 ديسيبل بشكل دائم ومستمر؛ حيث يمكنها أن تؤثر على حاسة السمع بشكل عام، وجدير بالذكر أن شدة صوت 80 ديسيبل تعادل صوت ضوضاء مزعج للغاية.
فإذا تعرض الإنسان لصوت عالي الشدة (أعلى من 80 ديسيبل) بشكل مفاجيء فقد يصيبة سكتة قلبية أو تنفجر رئتاه، ويمكننا ملاحظة الأمر عند التجمعات العائلية أو تجمع الأصدقاء ويقوم أحدهم بالصراخ بشكل مفاجئ في أذن أحدهم كنوع من أنواع المزح ويقوم جميع الحضور بالضحك والسخرية، ولكن في حقيقة الأمر لا ينظر أحد إلى مدى خطورة هذه المزحة على الشخص، فإذا تعرضت صديقي القارئ لهذا النوع من المزاح سابقا فإنك ربما شعرت بأحد هذه الأعراض التالية والتي ربما تأخذ وقتا يترواح من 10 ل 15 دقيقة حتى تزول، وهذه الأعراض الجسدية تشمل: ارتفاع شديد في ضربات القلب، شعور بضيق في التنفس، ارتعاش وارتجاف الجسد كله يصل لحد الانتفاض، اضطراب العضلات بحيث يتحرك الهيكل العظمي بشكل عشوائي ولا إرادي مما قد يسبب بعض الإلتواءات، بالإضافة لألم شديد في الأذن، والشعور بدوار في الدماغ. فإذا كان التعرض لشدة صوت عالية بشكل مفاجئ خلال مزحة لا تتجاوز الثانية الواحدة يتسبب في جميع هذه الأعراض الجسدية الخطيرة، فكيف لنا أن نتخيل ما الذي سيحدث لأجسادنا إذا كان التعرض لشدة صوت عالية بشكل مقصود ولفترات زمنية طويلة؟
استخدام الصوت كسلاح للتعذيب
منذ قديم الأزل كان يستخدم الصوت كسلاح للتعذيب والترهيب؛ فقد كان الهنود الحمر يقوموا بالصراخ وإثارة الضجيج والضوضاء (والتي تترواح شدتها من 80 إلى 120 ديسيبل) عند دخول أي غريب لمنطقتهم وذلك بهدف إثارة مشاعر القلق والرعب لدى الدخيل أو العدو، ويمكنك صديقي القارئ مشاهدة ذلك في كثير من الأفلام الأجنبية. وقد تم استخدام الصوت، أيضا، كسلاح للتعذيب والترهيب في الحرب العالمية الثانية باستخدام صوت الطائرات الحربية والتي تصل شدة أصواتها إلى 140 ديسيبل (أي حوالي ضعف مستوى شدة الصوت التي يمكن للإنسان تحملها والتي بإمكانها أن تفجر طبلة الأذن). وأيضا في حرب فيتنام (بداية من 1945)، حيث كانت تستخدم أمريكا الأصوات عالية الشدة لإثارة مشاعر الرعب والخوف في نفوس العدو في ساحة الحرب، وذلك عن طريق استخدام مكبرات صوت لصوت الطائرات وأيضا وضع مكبرات صوت على ظهور الجنود الأمريكان بحيث تنشر ضوضاء عالي الشدة في ساحة المعركة. وفي معسكرات التعذيب الألمانية كان التعذيب بالصوت أشد قسوة، حيث كان يوضع جرس ضخم فوق رأس الأسير أثناء التحقيق، وقد يقوم المحقق بتحريك ذلك الجرس الضخم، مما يتسبب في زلزلة جسد الأسير واضطراب كامل في دماغه وعضلاته وألم شديد في الأذن والدماغ والذي من تكراره قد يؤدي إلى الوفاة. أما في السجون الإسرئيلية فكان التعذيب بالصوت أكثر قسوة واستمراريه، حيث يتم تعذيب الأسرى عن طريق استخدام الأغاني الصاخبة عالية الشدة لفترات زمنية طويلة على مدار اليوم والتي قد تصل إلى 16 ساعة متواصلة وذلك باستخدام سماعات الأذن، بحيث يدخل الصوت مباشرة إلى الأذن ومنها إلى الدماغ بشكل مباشر، بحيث يهدم مشاعر الإرادة والعزيمة لدى الأسير ويفقده توازنه العقلي والنفسي. وجدير بالذكر أن قائمة هذه الأغاني تشمل أغاني أطفال متعارف عليها وهي أغاني ذات تردد عالي وشدة عالية، والتي قد تتسبب لك في الانزعاج والصداع الشديد وألم في الأذن وفي الدماغ إذا استمعت إليها لمدة ساعة واحدة متواصلة، فلك أن تتخيل – صديقي القارئ- كيف سيكون الحال إذا استعمت إليها بشدة عالية لمدة تتجاوز 16 ساعة متتالية!
وقد تم استخدام سلاح الصوت في كثير من الأفلام الأجنبية وذلك لإضعاف البطل القوي الذي لا يقدر أحد على هزيمته، مثل فيلم The Hulk أو الرجل الأخضر، على سبيل المثال، حيث كان يتم استخدم الموجات فوق الصوتية (التي تفوق تردداتها المدى السمعي البشري بحيث يكون ترددها الصوتي أعلى من 20000 هرتز) والتي من شأنها أن تؤثر في هذا البطل الأخضر الضخم وتجعله يفر هاربا من شدة الألم. وأيضا في فيلم X-Men 3 the last stand أو رجال أكس الجزء الثالث، حيث تم استخدام الموجات الفوق صوتية لتدمير الأسلحة البلستيكية، وإثارة الرعب والفزع في نفوس الجنود البشر.
وهكذا صديقي القارئ، يمكن استخدام الصوت بشكل إيجابي في العلاج والنوم لإثارة مشاعر إيجابية مثل الأمان والطمأنينة، أو استخدام الصوت بشكل سلبي كسلاح تعذيب وترهيب لإثارة مشاعر سلبية مثل الرعب والفزع. لذلك تذكر، أن القرار دائما يعود لك، فقد يكون صوتك "علاج" تطيب به مشاعر من حولك، أو "سلاح" تعذب به من حولك دون أن تشعر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة