يبدو تحقيق أرقام ايجابية في خانة النمو الاقتصادي، أمرًا إيجابيا لا يمكن إنكاره، بينما يبقى تحويل تلك الأرقام إلى الواقع، بمثابة "قبلة الحياة"، بالنسبة لها، بحيث يمكن ترجمتها على حياة ملايين البشر، وهو ما يبدو واضحا في السياسات التي تبنتها الدولة المصرية منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، عبر العديد من المسارات، دارت معظمها في حلقات من البناء، بين المشروعات القومية العملاقة، والاستدامة، مرورا بتمكين الفئات المجتمعية المهمشة، وحتى الأقاليم الجغرافية، التي ابتعدت لعقود عن الرؤى التنموية، مما ساهم في تجريفها واندثار مقدراتها.
ولعل الحديث عن "الأرقام"، في رؤية الدولة المصرية، في عهد "الجمهورية الجديدة"، يبدو مقرونا بتغيير شامل في العديد من الأبعاد، فالنمو الاقتصادي في مصر في السنوات الأخيرة، بات مرتبطا بتقليص مساحة العشوائيات، وتوفير السكن الملائم لألاف المصريين، بينما ارتبط بزيادة أعداد الكوادر الشبابية والنسائية، المؤهلين للقيام بدور قيادي في بناء بلادهم، في حين امتد إلى توسيع الرقعة الجغرافية التي شهدت طفرات تنموية في السنوات الأخيرة، في ظل اقتحام الأقاليم المهمشة وتحويلها إلى مناطق جاذبة للاستثمار، وليست طاردة لسكانها كما كانت عليه قبل سنوات معدودة.
وتعد طردية العلاقة بين الأرقام المتصاعدة في خانة النمو الاقتصادي، واتساع نطاق الاستفادة بها، بمثابة المعادلة الأصعب، التي نجحت الدولة المصرية في تحقيقها خلال السنوات الماضية، حيث تبقى تلك العلاقة بمثابة "حجر الأساس" لتحقيق الاستدامة، وربما كان غيابها سببا رئيسيًا في حالة العجز عن مواصلة العملية التنموية، التي اتخذت فيها خطوات ملموسة قبل ذلك، حيث ارتكزت المحاولات السابقة على مناطق بعينها وقطاعات محددة، بينما أهملت أقاليم وقطاعات كانت تتفرد بها مصر، مما ساهم في تجريف الأراضي الزراعية تارة، واندثار العديد من الصناعات التي تميزت بها مصر لسنوات تارة أخرى، فأصبحت "الأرقام" لا تتجاوز كونها مجرد "حبر على ورق"، لا تنعكس على حياة ملايين البشر، بينما يقتصر نطاق الاستفادة بها قطاعات محددة، وهو الأمر الذي ترجمته حالة الفوضى التي شهدتها البلاد في العقد الماضي.
وهنا تصبح قدرة الدولة على استمرارية العملية التنموية، وامتدادها الجغرافي، وشموليتها من حيث المجالات والقطاعات والجغرافيا، والفئات المجتمعية، دليلا دامغا على ما يمكننا تسميته بـ"حيوية" الأرقام، وإيجابيتها، في ظل ارتباطها باتساع نطاق الاستفادة بها، لتمتد إلى كافة الطبقات والفئات، وهو ما يعكس عبقرية الرؤية المصرية، اعتمادها منهجا عمليا للتنمية، يتجاوز في جوهره خانة النمو الاقتصادي، ليتحول الرقم الذي طالما استندت عليه الأنظمة السابقة لتبرهن على نجاحها، إلى أرقام أخرى، منها انخفاض نسبة البطالة، واتساع مساحة العمران، وتزايد الموارد الاقتصادية، وتوسيع نسبة المشاركة والفعالة في بناء المجتمع، وكذلك زيادة أعداد من استفادوا من العملية التنموية برمتها.
وهنا يمكننا القول بأن نجاح الدولة المصرية في إدارة "لغة الأرقام" يمثل في جوهره عبقرية وطن، استلهم دروس الماضي، بعدما سقط في بريقها دون التفات إلى جدواها على حياة البشر، فتمكن من تحويلها من مجرد بيانات "صماء" إلى "لحم ودم"، يشهد بها ملايين البشر ممن جنوا ثمارها، في صورة مساكن آدمية تأويهم، أو عمل أنقذهم من البطالة، أو في أمل جديد في مستقبل أفضل لدى الشباب والنساء وذوي الهمم، أو مناطق مهملة طالتها يد البناء والعمران، لتصبح تلك الحالة بمثابة "حكاية وطن" مازالت تحمل فصولا أخرى، ستبقى فخرا للأجيال القادمة على مدار عقود طويلة من الزمن
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة