حذر مرصد الأزهر في مقال له من عدوى العنف، باعتبارها إحدى الظواهر الموجودة في المجتمعات منذ القدم، حيث أثبتت الصراعات التاريخية والأحداث الدموية على مر العصور صدق ذلك. فالعنف ظاهرة ملازمة للإنسان منذ بَدْء الخليقة ونزولِ آدم وحواءَ إلى الأرض، وهو ليس وليدَ اليوم، بل إنه ظاهرة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ولكن ما يَتَّسم به عصرنا الحالي هو انتشار العنف وسرعة انتقاله بين أفراد المجتمع، وبشاعة الجرائم التي تُرتكب، وما يَنتج عن جرائم العنف من انعكاسات نفسية واجتماعية، واستفزاز مشاعر ووجدان الفرد والمجتمع.
وتُعرف العدوى الانفعالية بـ "الميل نحو التقليد التلقائي للسلوك العنيف سواء كان لفظيًّا أو جسديًّا، ومزامنتها مع أشخاص آخرين وتقليدهم، مما يترتب عليه عملية تحريض واعية أو غير واعية لمجموعة من السلوكيات العنيفة، يقوم بها شخص أو مجموعة من الأشخاص بالتأثير على سلوكيات آخرين".
وتنتشر عدوى العنف بين الأطفال بل والبالغين بشكل ملفت للانتباه، وقد يعود ذلك إلى عوامل تتعلّق بالأسرة وسوء التربية في الأساس، كممارسة الأب والأم للعنف إضافة إلى مشاهدة المواد الإعلامية التي تتضمن مشاهد عنف سواء على التليفزيون، أو عبر شبكة الإنترنت، فضلًا عن الظروف البيئية المحيطة بسكن الأسرة والمدرسة، كل هذه العوامل تؤدي إلى انتشار العنف بين أفراد المجتمع بداية من الأطفال؛ حيث تظهر بوادر التأثر بعدوى العنف وانعدام الثبات الانفعالي من خلال ممارسة الطفل للعنف مع الألعاب الخاصة به وتكسيرها وتحطيمها أو ممارسة العنف على إخوته الصغار أو زملائه في المدرسة أو إتلاف الممتلكات الخاصة أو العامة، يفسر لنا أن نشأة الطفل في أسرة تمارس العنف أو بيئة تتسم بالعنف أو مشاهدته لمحتوى عنيف كل هذه أسباب تؤدي إلى انتقال العنف للطفل وإصابته به.
ويضرب المرصد المثال بحادثة مقتل "نيرة أشرف" التي دفعت حياتها ثمنًا لرفضها الارتباط بشاب، ليقرِّر الانتقام منها أمام الجميع وعلى باب جامعتهما، في مشهد يصعب تصوُّر مدى بشاعته، وبعد مقتل "نيرة أشرف" بساعات معدودة، قُتلت الطالبة الأردنية "إيمان إرشيد" نتيجة التعرض لطلق ناري في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة، شمال العاصمة عَمَّان. وبعد أسابيع من الواقعتين يتكرَّر نفس السيناريو، بمقتل الشابة "سلمى بهجت" طعنًا بالسكين في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في مصر. ومن خلال التدقيق في قرب المدة الزمنية بين حوداث القتل الثلاث، وسيناريو القتل الحادث فيها، والفئة العمرية التي تعرضت للقتل يتضح مدى انتشار العدوى بين المجتمعات، وكأن القاتلَيْن الثاني والثالث يقتديان بما فعله القاتل الأول.
لذلك يدعو المرصد إلى ضرورة الحد من ظاهرة عدوى العنف، على عدة مستويات الصعيد الأسري، من خلال اتباع الأسرة أساليب التربية الإيجابية والبعد عن العنف والعقاب الموجه للأبناء، وضرورة الإشراف والمتابعة الأسرية لأي محتوى يقدم للطفل سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًّا، وكذلك على الصعيد التربوي، أهمية اتباع منهج تربوي -تتبنَّاه مؤسسات التعليم- يقوم على تنمية حس الإبداع، وتعزيز ثقافة التسامح، وتنمية الفضائل الأخلاقية وتعزيزها، وانتهاج سياسة واضحة للحد من العنف والتنمُّر المدرسي، وتفعيل دور رعاية الشباب والإرشاد الأكاديمي في الجامعات، وعدم اقتصار الرحلات والمعسكرات والأنشطة الطلابية على الجانب الترفيهي فقط، بل لا بد من إدراج الجانب التوعوي أيضًا.
كما يدعو المرصد إلى ضرورة تشديد الرقابة على المحتويات الإعلامية والدرامية المقدمة للجمهور؛ حيث تخلو من أى مظاهر تحث على العنف بصوره وأشكاله كافة. وكذلك أهمية سنُّ قوانين تجرِّم تداول المقاطع المتعلقة بجرائم العنف والقتل؛ حيث يؤدي تداول هذه المقاطع إلى انتشار عدوى العنف وانتقالها، والترويج لمثل هذه الجرائم بشكل كبير بين فئات المجتمع لا سيَّما المراهقين والشباب، حيث إن تكرار مشاهدة مثل هذه الجرائم يعزِّز ثقافة العنف. إن موجات العنف التي تعصف بكثير من المجتمعات العربية والعالمية هي أكبر تهديد للسلام العالمي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة