حالة من الترقب المصحوبة بالغموض تحيط بمستقبل كرة القدم الأوروبية، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية فى أوكرانيا، والتى شهدت تطورات خطيرة فى الأيام الأخيرة ربما تغير خريطة كرة القدم فى العالم، وليس كرة القدم الأوكرانية فقط، وأبرزها قرار الاتحاد الأوروبى بنقل نهائى دورى أبطال أوروبا من روسيا للعاصمة الفرنسية باريس، فضلاً عن إعلان منتخب بولندا انسحابه من مواجهة روسيا فى تصفيات كأس العالم 2022، وتبعه السويد أيضاً فى قرار الانسحاب، الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات حول مدى تأثير الحرب الروسية على مستقبل كرة القدم الأوروبية؟.
ولأن المستقبل دائماً هو مرآة التاريخ، يجب الرجوع إلى الماضى لاستكشاف المستقبل، ففى بداية الحرب العالمية الثانية قررت معظم البلاد المشاركة فى تلك الحرب تجميد دوريات كرة القدم، وحشد الشباب من جميع البقاع للمشاركة فى المعارك الدامية التى خلفت آلاف الضحايا، فتحول العديد من اللاعبين إلى محاربين، وهو ما حدث من طرفى النزاع الرئيسيين، حيث قررت إنجلترا إلغاء جميع دوريات المحترفين، وتحولت أندية الدرجة الأعلى لبطولات أقاليم، واستحدثت بطولة "كأس الحرب"، أما ألمانيا فلم يشفع لها تمسكها بإقامة كرة القدم لأنها سرعان ما أرغمت على ذلك مع نهاية الحرب، فتوقفت الدوريات الألمانية أعوام 1945 و1946 و1947، ولم يكن الدورى الإيطالى ببعيد، حيث توقف كرة القدم عامى 1943 و1944، واستبدل ببطولة عرفت فى ذلك الوقت بمسابقة "ألتا"، فى النهاية الحرب تقتل كرة القدم مثلما تقتل الضحايا وتحتاج لسنوات أجل إعادة البناء.
وفى أوكرانيا مع تزايد التوترات والتدخلات العسكرية فالأمر يزداد غموضاً بالنسبة لكرة القدم، وبات شبح 2014 يهدد مستقبل الكرة الأوكرانية، حينما أدت الأحداث التى أطاحت بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش وتسببت فى حرب دونباس وضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى سيادتها، وما ترتب عليها من خروج ناديس سيفاستوبول وتافريا سيمفيروبول من كرة القدم الأوكرانية نهائياً فى واقعة تاريخية، كون الأخير هو أول بطل يحمل لقب الدورى الأوكرانى موسم 1991-1992 بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى، وعلى الرغم من محاولات روسيا ضم الناديين لنظام كرة القدم الخاص بها، إلا أن الاتحاد الأوروبى لكرة القدم "يويفا"رفض بذلك، ليتم ضم الناديين إلى دورى القرم، وصار السيناريو المكرر يهدد نادى ماريوبول الواقع قرب الحدود الملتهبة.
ولكن.. هل تؤثر الحرب على نادى شاختار متصدر الدورى الأوكراني؟.. فالأجابة أنها بالتأكيد أثرت على الدورى الأوكراني، الذى تأجل استئناف مبارياته، أما شاختار ذلك النادى التاريخى الذى صدّر للعالم العديد من المواهب الكروية منها ويليان ودوجلاس كوستا وفيرناندينهو، فهو يتصدر جدول الدورى الأوكراني، كما أنه منافس دينامو كييف الوحيد منذ مطلع الألفية الجديدة، وحقق لقب الدورى الأوكرانى 13 مرة، إلا أن مستقبله بات غامضاً، بعدما أصبح مشتتا بعدما تغير الخريطة الجغرافية كونه ينتمى إلى دونيتسك ليصبح القائمون على النادى فى حالة من الحيرة، وقد يدفعهم انتماؤه الجغرافى لاختيار منطقتهم خصوصاً بعد استقلال دونيتسك، وفى حال اختاروا مغادرة أوكرانيا سيلعبون فى الدورى الروسي، وربما ينعكس ذلك بصورة إيجابية على النادى والدورى الروسى أيضاً، وأياً كان القرار هنا سوف تتغير خريطة كرة القدم الأوكرانية.
وفى إنجلترا بدأت تقارير حول مطالبات بسحب ملكية نادى تشيلسى وإجبار صاحبه على الرحيل، وهو كشفته صحيفة "ديلى ميل" باستعداد مستثمرين أمريكيين لشراء النادى اللندنى من مالكه الروسى رومان إبراموفيتش، مقابل 1.5 مليار إسترليني، بسبب دعمه للنظام الروسى فى حرب أوكرانيا، فضلاً عن تورطه فى قضايا فساد دولية - على حد وصف الصحيفة، ما اضطر الملياردير الروسى فى النهاية للتنحى عن منصبه وترك إدارة العملاق اللندنى لأمناء مؤسسة تشيلسى الخيرية.
أما تحالف "السويد + بولندا + التشيك" فقرروا مقاطعة روسيا، وهو ما تمثل فى إعلان كل منهم الانسحاب من مواجهة روسيا فى المرحلة الفاصلة لتصفيات كأس العالم، مؤكدين رفضهم تحركاتها العسكرية فى أوكرانا والتى وصفوها بـ"العدوان"، كل ذلك يجعل الاتحاد الدولى مطالباً بإيجاد حل سريع للخروج من الأزمة، ونفس الأمر ربما ينطبق على المنتخب الأوكرانى الذى يحل ضيفاً على أسكتلندا نهاية مارس المقبل فى مهمة صعبة على اللاعبين لتأثرهم بظروف الحرب وصعوبة إقامة معسكرات التدريب.
العالم بات يترقب قرارات جديدة، هل ينقل تلك المباريات خارج روسيا، وهل تقبل موسكو ذلك، أم أنها تعتبره جزءاً من المعركة، خاصة بعد رفضها قرار نقل نهائى دورى الأبطال خارج سان بطرسبرج؟، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة