أصدرت الدائرة الجنائية "و" – بمحكمة النقض – حكماَ في غاية الأهمية بالنسبة لقائدى السيارات حيث وضعت فيه عدة ضوابط لإجراء تحليل المخدرات، كما حسمت الخلاف حول شروط القبض والتفتيش، وحددت ضوابط استيقاف رجال الضبط القضائي لسائقي السيارات، وأخذ عينات من البول لتحليلها، وبيان ما إذا كان السائق يتعاطى المواد المخدرة من عدمه، مؤكدة بطلان القبض على السائقين وأخذ عينات البول منهم لتحليلها "لمجرد الاشتباه" فى تعاطيهم المخدرات، دون توافر شروط حالة التلبس أو صدور إذن قضائي، وعدم بيان الحكم للإمارات التي أدت للقبض على الطاعن يعتبر قصور.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 14045 لسنة 88 قضائية، برئاسة المستشار نبيه زهران، وعضوية المستشارين أحمد الخولى، ووائل عبد الحافظ، وأشرف خيري، وأحمد الغرباوى.
الوقائع.. القبض على شخص يقود سيارة بعد اجراء تحليل المخدرات له
اتهمت النيابة العامة الطاعن في القضية رقم 321 لسنة 2016 جنايات مركز أبو حمص والمقيدة برقم 2132 لسنة 2016 كلى وسط دمنهور، بأنه في يوم 13 من إبريل 2016 بدائرة مركز أبو حمص – محافظة البحيرة، أولاَ: أحرز بقصد التعاطى عقار "الترامادول" المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانوناَ، ثانياَ: قاد مركبه آلية تحت تأثير مخدر.
في تلك الأثناء – أحالته النيابة العامة إلى محكمة جنايات دمنهور لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياَ في 26 من فبراير سنة 2018 عملاَ بالمواد 1، 2، 37/1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانونيين رقمي 61 لسنة 1977، 122 لسنة 1989، والبند رقم 152 من القسم الثاني من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول، والمواد 1، 3، 4، 66، 87 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقوانيين أرقام 210 لسنة 1980، 155 لسنة 1999، 121 لسنة 2008 مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات، وبمعاقبته بالحبس لمدة ستة أشهر وتغريمه مبلغ 10 ألاف جنيه عما أسند إليه.
محكمة أول درجة تقضى عليه بالحبس 6 أشهر.. والمتهم يطعن
فطعن المحكوم عليه أمام محكمة النقض استندت فيه مذكرة الطعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى تعاطى عقار الترامادول المخدر، وقيادة مركبة آلية تحت تأثير مخدر قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك أنه أطرح ما دفع به من بطلان الاستيقاف لانتفاء مبررات وبطلان القبض عليه وتفتيشه بما لا يسوغ مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أنه وأثناء قيام الضابط لفحص قائدي السيارات وضبط متعاطي المواد المخدرة منهم لقيادتهم السيارات وهم تحت تأثير هذا التعاطي قام باستيقاف السيارة قيادة المتهم، وبمناقشته له بدت عليه علامات وقوعه تحت تأثير المخدر، فطلب منه إجراء التحليل اللازم، فوافق على ذلك وبإجراء ذلك التحليل الذى أثبت تعاطيه لمادة الترامادول المخدر، وبعد أن حصل الحكم واقعة الدعوى على السياق المتقدم، وأورد مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه عرض للدفع المبدى من الطاعن ببطلان القبض وانتفاء مبررات الاستيقاف واطرحه بقوله:
"أنه حال قيام الضابط بحمله مرورية للوقوف على وقوع قائدى السيارات تحت تأثير المخدر، فطلب منه إجراء تحليل عينة بول، فوافق وتبين من التحليل انها إيجابية لمخدر الترامادول، فإن ما قام به ضابط الواقعة قد تم وفق صحيح القانون وتكون حالة التلبس قائمة وجاز لرجل الضبط الحق في استيقافه، ويكون الدفع ببطلان الاستيقاف والقبض لا يسانده واقع أو القانون".
النقض تضع ضوابط إجراء تحليل المخدرات
لما كان ذلك – وفقا لـ"المحكمة" – ولئن كان من حق مأمور الضبط القضائي إيقاف سيارة الطاعن أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور إلا أنه إذا كان ضابط الواقعة قد استوقف الطاعن أثناء قيادته للسيارة للتحقق من تعاطيه للمخدر من عدمه حسبما سطره الحكم، فإنه في هذه الحالة يستلزم للاستيقاف شروط ينبغي توافرها قبل اتخاذ هذا الاجراء وهى أن يضع نفسه طواعية منه واختياراَ في موضع الشبهات والريبة، وأن ينبئ هذا الوضع عن صورة تستلزم تدخل المستوقف للكشف عن حقيقته، وكان الحكم المطعون فيد قد خلص إلى مشروعية استيقاف الضابط للطاعن لمجرد أنه وبمناقشته – بدت عليه علامات وقوعه تحت تأثير المخدر – دون أن يبين ما هي هذه العلامات التي بدا عليها الطاعن.
لما كان ذلك – وكان المقرر أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بغير وجه حق، وكان الدستور قد كفل هذه الحريات باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان بما نص عليه في المادة 54/1 منه، أن الحرية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق، ومؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقا طبيعيا من حقوق الانسان لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس.
النقض تؤكد: لابد من تلبس قائد المركبة أو وجود إذن قضائى
كما هو معرف قانوناَ إعمالاَ لنص المادة 66 من قانون المرور المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 – المنطبق على واقعة الدعوى – أو صدور إذن من السلطة المختصة، وكانت المادة 66 من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 تنص على أن: "يحظر قيادة آية مركبة على من كان واقعاَ تحت تأثير خمر أو مخدر، لمأمورى الضبط القضائى عند التلبس بمخالفة الفقرة الأولى من هذه المادة في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة.
وكان من المقرر ان التلبس وصفاَ يلازم الجريمة ذاتها بغض النظر عن شخص مرتكبها ويكفى لتوافرها أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو أدرك وقوعها بأي حاسة من حواسه – يستوى في ذلك حاسة النظر أو السمع أو الشم – على أنه ينبغي أن تتحرز المحاكم فلا تقر القبض أو التفتيش الذى يحصل على اعتبار أن المتهم في حالة تلبس إلا إذا تحققت من أن الذى أجراه قد شهد الجريمة أو أحس بوقوعها بطريقة يقينية لا تحتمل شكاَ أو تأويلاَ ولا يغنيه عن ذلك تلقى نبأها عن طريق النقل من الغير شاهداَ أم متهماَ يقر على نفسه ما دام لم يشهدها أو يشهد آثراَ من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، وكان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالة التلبس أمر موكولاَ إلى محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط أن تكون الأسباب والاعتبارات التي تبنى عليها المحكمة تقديرها صالحة لأن تؤدى إلى النتيجة التي انتهت إليها.
والحيثيات: أخذ عينات البول لتحليلها "لمجرد الاشتباه" دون توافر شروط مخالف للدستور
وكانت الوقائع على ما جاء بالحكم المطعون فيه على النحو السالف البيان، تتحصل في أن ضابط الواقعة قبض على الطاعن وآخذ عينة بول منه لتحليلها لمجرد اشتباه في تعاطيه مخدر، فإن الواقعة على هذا النحو لا تعتبر من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ولا تعد في صورة الدعوى من المظاهر الخارجية التي تنبئ بذاتها عن توافر جريمة متلبس بها تجيز لمأمور الضبط القضائي القبض على المتهم وتفتيشه، الأمر الذى يضم إجراءات الاستيقاف والقبض على الطاعن وتفتيشه بالبطلان، لأنها لم تتم بناء على إجراءات مشروعة وصحيحة ومتفقة وأحكام القانون بل مشوبة بالانحراف في استعمال السلطة ووليدة عمل تعسفى مشوب بالبطلان فلا يعتد به ولا بالأدلة المترتبة عليه ويكون ما أسفر عنه هذا الإجراء وشهادة من أجراه قد وقعت باطلة لكونها مرتبة عليه، ولا يصح التعويل على الدليل المستمد منه في الإدانة، ويكون الحكم المطعون فيه قد تعيب بالخطأ في تطبيق القانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة