أصدرت الدائرة التجارية والاقتصادية – بمحكمة النقض – حكماَ، يهم ملايين المتعاملين بالشيكات، أرست فيه عدة مبادئ قضائية بشأن جواز إقامة دعوى الاثراء بغير حق كدعوى جديدة فى جرائم الشيك، قالت فيه: " يجوز لحامل الشيك رغم تقادم دعوى المطالبة بقيمته أن يطالب الساحب الذى لم يقدم مقابل الوفاء أو قدمه ثم استرده كله أو بعضه برد ما أثرى به بغير وجه حق وكذلك يجوز للحامل توجيه هذه المطالبة إلى كل مظهر يحقق إثراءً بغير وجه حق".
الحكم أرسى قاعدة بأن لحامل الشيك، بمقتضى دعوى جديدة خاصة بالشيك وحده، هي إقامة دعوى الإثراء بغير وجه حق حال تقادم الشيك أو سقوطه وحال عدم الوفاء بقيمته، حيث أن كل ما تشترطه دعوى الإثراء بغير وجه حق المستحدثة هو انقضاء دعوى الصرف للمطالبة بقيمة الشيك بالتقادم، وثبوت عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته قبل اكتمال مدة التقادم، وبغير حاجة لإثبات الافتقار في جانب الحامل أو الإثراء في ذمة الساحب أو المُظَهِر.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم الطعن 13880 لسنة 83 قضائية، لصالح المحامى علاء مبروك، برئاسة المستشار نبيـل عمران، وعضوية المستشارين الدكتور مصطفــى سالمان، وصلاح عصمـت، والدكتور محمـد رجاء، ورضا محمود السيد، وبحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض محمد عبد المحسن، وأمانة سر خالد وجيه.
الوقائع.. البنك يطعن على سقوط حقه في المطالبة بشيكين بعد تقادمهما
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن البنك الطاعن، وبعد رفض طلبه باستصدار أمر الأداء، أقام الدعوى رقم 957 لسنة 2012 تجارى كلى شمال القاهرة الابتدائية على المطعون ضده بصفته طالبًا الحكم بإلزامه أن يؤدى له مبلغ 15/751‚177 جنيه والفوائد القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة وحتى السداد، وبيانًا لذلك قال إنه يداينه بالمبلغ سالف البيان بموجب شيكين محررين مؤرخين 1 أغسطس 1999 و1 سبتمبر1999 مسحوبين على البنك الأهلي فرع أسوان، وإذ تقدم لصرف قيمتهما أفاد البنك المسحوب عليه بعدم كفاية الرصيد فكانت الدعوى.
وبتاريخ 23 فبراير 2013 حكمت المحكمة بسقوط حق البنك الطاعن في المطالبة بالشيكين بالتقادم، ثم استأنف البنك هذا الحكم بالاستئناف رقم 557 لسنة 17 قضائية لدى محكمة استئناف القاهرة، وبتاريخ 9 يونيو 2013 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن البنك في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الماثل، وأودعـت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب.. أبرزها " الإثراء بغير وجه حق"
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب حيث أكدت أن ما ينعاه البنك الطاعن بسبب طعنه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بإلزام المطعون ضده بصفته بقيمة الشيكين استنادًا إلى قواعد الإثراء بغير وجه حق عملًا بنص المادة 532 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، لأحقيته كحامل للشيكين، رغم تقادم دعوى المطالبة بقيمتهما، في الرجوع على المطعون ضده بصفته -الساحب- بالدعوى المشار إليها لأن الأخير لم يقدم مقابل الوفاء وفق الإفادة الصادرة من البنك المسحوب عليه، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض استئنافه بما قاله من أن الشيكين سند الدعوى يُستحقان في ظل قانون التجارة القديم ويخضعان للتقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة 194 من ذلك القانون، ومن ثم لا تسرى عليهما المادة 532 من القانون الحالي، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت - وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة 235 من قانون المرافعات قد أجازت للخصوم في الاستئناف مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله تغيير سببه أو الإضافة إليه باعتبار أن القصد من هذا التغيير أو هذه الإضافة إلى جانب السبب الذى كان ينطوي عليه الطلب أمام محكمة أول درجة هو تأكيد الأحقية في ذات الطلب الذى كان مطروحًا عليها.
شروط إقامة دعوى الاثراء بغير وجه حق
وبحسب "المحكمة" - وكان النص في المادة 532 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه " يجوز لحامل الشيك رغم تقادم دعوى المطالبة بقيمته أن يطالب الساحب الذى لم يقدم مقابل الوفاء أو قدمه ثم استرده كله أو بعضه برد ما أثرى به بغير وجه حق وكذلك يجوز للحامل توجيه هذه المطالبة إلى كل مظهر يحقق إثراءً بغير وجه حق"، مُفاده أن المشرع أجاز لحامل الشيك، بمقتضى دعوى جديدة خاصة بالشيك وحده، هي دعوى الإثراء بغير وجه حق، وتُسمى في القانون الفرنسي دعوى الإثراء غير العادل، تتشابه في اسمها الأول مع دعوى الإثراء بلا سبب المنصوص عليها في المادة 179 من التقنين المدني، إلا أنها تستقل عنها ولا تتقيد بأركانها من حيث وجود إثراء في جانب يترتب عليه افتقار في جانب آخر دون أن يقوم سبب قانوني لهذا الإثراء، كما لا تتقيد بأحكامها سواء من حيث إن ما يطلبه المدعى هو التعويض عما لحق به من افتقار في حدود ما نال المدعى عليه من إثراء، وما يترتب على ذلك من أن عبء إثبات قيام الالتزام في ذمة المدين المُثري يقع على عاتق الدائن المفتقر.
ووفقا لـ"المحكمة" - في حين أن كل ما تشترطه دعوى الإثراء بغير وجه حق المستحدثة هو انقضاء دعوى الصرف للمطالبة بقيمة الشيك بالتقادم، وثبوت عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته قبل اكتمال مدة التقادم، وبغير حاجة لإثبات الافتقار في جانب الحامل أو الإثراء في ذمة الساحب أو المُظَهِر، ومن ثم تكون لحامل الشيك الخِيَرة بين أن يقيم دعوى الصرف ابتداءً للمطالبة بقيمة الشيك، فإذا ما تمسك المدين المدعى عليه بالدفع بالتقادم، كان للدائن المدعى تغيير سبب الدعوى إلى الإثراء بغير وجه حق، وبين أن يقيم دعوى الإثراء بغير وجه حق ابتداءً، ويكون على القاضي في الحالتين التحقق من توافر الشرطين المنصوص عليهما في المادة 532 المشار إليها، ثم يَفصل في الدعوى على هذا الأساس.
دعوى "الإثراء بغير وجه حق" تضمن حقوق الدائنين رغم التقادم
ومن ناحية ثانية، فإن المادة 532 آنفة البيان لم تستلزم وفقًا لصريح نصها - أو في النص المقابل بالتشريع الفرنسي، المادة 52 من المرسوم بقانون المنظم للشيك الصادر عام 1935، والمقابلة حاليًا للمادة 131-59 من قانون النقد والمال الفرنسي المعدلة بالقانون رقم 516 لسنة 2005 - صدور حكم ابتدائي أو نهائي بسقوط حق حامل الشيك في الرجوع على الساحب أو المُظَهِر بدعوى الصرف حتى ينشأ حقه في رفع دعوى الإثراء بغير وجه حق؛ ذلك أن الحق في رفع هذه الدعوى لا ينشأ عن الحكم الابتدائي أو النهائي بسقوط حق الحامل في الرجوع بدعوى الصرف، وإنما ينشأ عن ثبوت انقضاء مواعيد التقادم وثبوت عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته قبل اكتمال مدة التقادم.
لما كان ذلك، وكان الثابت في الأوراق أن محكمة أول درجة قد قضت بسقوط حق البنك الطاعن في المطالبة بالشيكين سند الدعوى بالتقادم، فاستند الطاعن أمام محكمة الاستئناف في طلب إلزام المطعون ضده بالمبلغ موضوع الدعوى إلى أحكام الإثراء بغير وجه حق بما يعد تغييرًا للسبب الذى رُفعت به الدعوى ابتداءً، وليس طلبًا جديدًا يتغير به موضوع الطلب الأصلي، لأن هذا الطلب ظل باقيًا على حاله حسبما كان مطروحًا أمام محكمة أول درجة، فإن ما أبداه الطاعن على النحو المتقدم يكون مقبولًا أمام محكمة الاستئناف.
البنك يتمسك بحقوقه رغم تقادم الشيكين
ولما كان حق البنك الطاعن في الرجوع علــى المطعون ضده بصفته بدعوى الإثراء بغير وجه حق المنصوص عليها في المادة 532 قد نشأ في الأول من أكتوبر سنة 2005 عملًا بالمادة 3 من مواد الإصدار لقانون التجارة الحالي وفقًا لتعديلها الأخير، وتمسك البنك في استئنافه بإلزام المطعون ضده بصفته برد ما أثرى به بغير حق من قيمة الشيكين سند الدعوى، دون التقيد بصدور حكم ابتدائي أو نهائي بسقوط حقه في الرجوع على المطعون ضده بصفته بدعوى الصرف، ولم يدفع المطعون ضده دعوى الإثراء بغير وجه حق بأى دفع أو دفاع، فإن قانون التجارة الحالي يكون هو الواجب التطبيق، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
ولِما تقدم - وإذ كان البنك الطاعن قد استند في دعواه المؤسسة على أحكام الإثراء بغير وجه حق إلى أن عدم وفاء المطعون ضده بصفته بقيمة الشيكين قد أدى إلى إثراء الأخير لما عاد عليه من منفعة بسبب امتناعه عن الوفاء، وكان الأخير لم يدع أنه قدم مقابل الوفاء وظل متاحًا ولم يسترده كله أو بعضه، فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المطعون ضده بصفته أن يؤدي للبنك الطاعن مبلغ 15/751‚177 جنيه والفوائد بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة وحتى السداد.
المحكمة تنصف البنك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده بصفته المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 557 لسنة 17ق القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام المطعون ضده بصفته أن يؤدى للبنك الطاعن مبلغ 15/751‚177 جنيه والفوائد القانونية بواقع 5% سنويًا من تاريخ المطالبة وحتى السداد، وألزمته المصروفات عن درجتي التقاضي، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة