قررت الجالية السورية فى مصر مساعدة أسرة السيدة علياء حسين المنذر، فنظمت حفلة فنية لابنها فريد يوم 19 يوليو، مثل هذا اليوم من عام 1930، وكانت هذه الحفلة هى الأولى للفنان فريد الأطرش، وعمره 15 عاما فقط، حسبما يؤكد المؤرخ الفنى الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى».
يؤكد «محمود»: «كانت هذه الحفلة بداية خطوات الفتى الصغير القادم من جبل العرب على طريق المجد والشهرة»، كما جاءت فى النصف الأول من عقد الثلاثينيات «القرن الماضى»، وكان هو زمن الكفاح الصعب فى مشوار فريد الأطرش، الكفاح الذى فتح له الطريق بعد ذلك ليتبوأ مكانه عند قمة الغناء. يلقى «محمود» الضوء على رحلة كفاح فريد الأطرش قبل هذه الحفلة قائلا:«قبل أن ينصرم عام 1923 بأيام قليلة، وصلت إلى القاهرة سيدة شامية تسحب من يديها صبيين وفتاة صغيرة وقليلا من المتاع، كانت تلك السيدة هى علياء حسين المنذر، درزية لبنانية تحمل الجنسية السورية، والأطفال هم فؤاد وفريد وأمل، أبناء فهد بن فرحان إسماعيل الأطرش، ابن عم سلطان باشا الأطرش، قائد ثورة جبل العرب «1922-1925»، التى اندلعت لتعم سوريا قبل ذلك بعام واحد، وجاءت السيدة علياء بأبنائها هربا من ملاحقة قوات الاحتلال الفرنسى، التى استهدفت اعتقالهم، لكسر شوكة آل الأطرش، الذين كانوا يقودون حربا شرسة ضد الاحتلال.
يذكر «محمود» أن علياء وصلت القاهرة عبر فلسطين سريعا، دون أن يكون معها وثائق لتحقيق الشخصية، فاتصل ضابط الجوازات المصرى من منفذ القنطرة تليفونيا بالزعيم سعد زغلول فى القاهرة، للحصول على موافقته لدخولها وأبنائها إلى مصر، ودخلت فى أحد أيام شتاء عام 1923، وأقامت الأسرة فى حى باب البحر، كأول مسكن لهم بالقاهرة، يضيف «محمود»:«لم تكن الأم تعلم أن وصول صغيرها فريد إلى القاهرة فى ذلك العام سيكون واحدا من الأحداث المهمة فى تاريخ الغناء المصرى بعد ذلك».
ولد فريد فى قرية «القرية»، «بضم القاف»، التابعة لـ«السويداء» فى جبل العرب بسوريا، وحسب «محمود»:«لم تنبئ أعوام البداية فى حياة فريد بما آل إليه أمره بعد ذلك، فنشأ فى أحد بيوت الإمارة التى ورثها «آل الأطرش»، ولما كان والده فهد الأطرش أحد القيادات الوسطى لدروز جبل العرب، فإن ذلك أتاح للرجل أن يتقلد الكثير من المناصب المهمة فى الدولة العثمانية، التى كانت تحكم الجبل وسوريا، أو أثناء الانتداب الفرنسى بعد زوال السلطة العثمانية عن الشام، وعندما انضم الأمير فهد إلى الثوار بعد ثورة جبل العرب فى عام 1922،هربت أسرته إلى القاهرة خوفا من وقوعهم أسرى بيد القوات الفرنسية.
يذكر محمود:«قضى فريد سبعة أعوام متنقلا بين أحياء باب البحر وغمرة، متلقيا العلم فى مدارس الفرير بالخرنفش والبطريركية للروم الكاثوليك بحى الظاهر، وإزاء ما تعرضت له الأسرة من حاجة بعد نفاد مدخراتها وانقطاع مدد الأهل، عمل موزعا للإعلانات والمشتريات فى محلات بلاتشى بالموسكى بعد انتهاء الدراسة، وذلك إضافة إلى تلقيه دروسا فى عزف العود والغناء على يد والدته وبعض كبار الملحنين، مثل داود حسنى وفريد غصن، فكانت موهبة الفتى الصغير فى عزف العود والغناء قد ظهرت فى سهرات الأسرة ودروس التراتيل الكنسية بمدارس الفرير والبطريركية، وبين حين وآخر كان يقدم وصلات غنائية فى محطات الإذاعة الأهلية، التى كانت تملأ القاهرة مثل محطة «إلياس شقال» المعروفة بمحطة «راديو الأمير فاروق»، وتغنى فيها بالعديد من أغنياته الأولى، فجلبت له الشهرة بعد ذلك فى عقد الثلاثينيات».
هكذا مضت أيام السنوات الأولى لأسرة فريد الأطرش فى مصر حتى بادر أبناء الجالية السورية فى القاهرة بتنظيم حفلة يغنى فيها فريد يوم 19 يوليو1930 فى تياترو «برنتانيا» بشارع عماد الدين. يذكر «محمود» أن إدارة التياترو نشرت إعلانا عنه لجذب الجمهور فى الصفحة السادسة من عدد الخميس 17 يوليو 1930 بصحيفة الأهرام، ونص على:«حفلة طرب كبرى فى تياترو برنتانيا، يحيى بلبل العصر فريد بك الأطرش، مطرب الراديو بالقاهرة فى الساعة التاسعة والنصف من مساء السبت 19 يوليو الجارى، حفلة طرب كبرى بتياترو برنتانيا، على تخت مؤلف من كبار رجال الفن»، يضيف الإعلان:«تطلب التذاكر من شباك التياترو بشارع عماد الدين، تليفون 1739، ومن محل رمزى أفندى كساب بجوار مانوساكس ومن فروعه بالعتبة الخضراء تليفون 3191 عتبة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة