مأساة كبيرة تشهدها الهند، إثر التزايد الكبير في أعداد المصابين بفيروس كورونا، إلى الحد الذى يفوق استيعاب الإمكانات، سواء بسبب عجز المستشفيات عن استقبال هذا الكم من الحالات، بالإضافة إلى عدم قدرة الأجهزة المتوفرة، على الوفاء بالطلب المتزايد، وهو الأمر الذى أدى في نهاية المطاف إلى مشهد مأساوى، يتلقى فيه المرضى علاجهم في سياراتهم، أو على الأرصفة في الشوارع، بينما تتزايد أعداد الوفيات بدرجة كبيرة، تزامنا مع إجراءات اتخذتها عدة دول، بدءً بمنع دخول القادمين إليها من الهند، وحتى حظر السفر إلى هناك، في انعكاس صريح لحجم الأزمة والمخاوف الكبيرة من تداعياتها.
إلا أن ثمة مقارنة ينبغي أن نضعها في الحسبان، بين التجربة الصينية، والتي كانت "مهد" الفيروس اللعين، وبالتالي فكان التعامل مع الأزمة أصعب نسبيا، على اعتبار أن "الحالة" كانت غير مسبوقة، من جانب، ونظيرتها الهندية، والتي تمثل أحد أحدث وأبرز محطات الوباء، خاصة وأنها تأتى بعد مرور أكثر من عام كامل، على اندلاع الأزمة، ليثور التساؤل حول ما إذا كانت المعايير القديمة في التعامل مع الأزمات مازالت قادرة على المواجهة، أم أنها لم تعد بالكفاءة المطلوبة، في ظل تغير طبيعة الأزمات الدولية الراهنة، سواء من حيث أبعادها الجغرافية، والتي لم تعد محدودة بنطاق معين، أو زمنيا، في ظل العجز الدولى الكامل عن التنبؤ بتوقيت معين يمكن أن تنحسر فيه "الموجة الوبائية".
ولعل الحديث عن أزمة كورونا في الهند، يبدو مرتبطا إلى حد كبير بالصين، في إطار ما يمكننا تسميته بـ"المتلازمة" الدولية، والتي تقوم في الأساس على الربط بين القوتين، أخذا في الاعتبار حالة التنافس الإقليمى بينهما في القارة الآسيوية، ناهيك عن صعودهما المتزامن، باعتبارهما أبرز النمور الاقتصادية في العالم، إثر النجاح الاقتصادى الكبير الذى تمكنا من تحقيقه خلال السنوات الماضية، لتصبح أزمة الوباء الأخيرة معيارا مهمة للمقارنة، في ظل تقارب كبير في الأداء الاقتصادى والسياسى.
يبدو أن النجاح الصينى في مجابهة الوباء خلال زمن قياسى، وقدرتها على "تصفير" عداد الإصابات بكورونا، في الداخل كان بمثابة نقطة الانطلاق لدور أهم وأعمق، سواء في المحيط الآسيوى، أو فيما هو أوسع نطاقا، عبر المزاحمة على قمة النظام الدولى، من رحم الوباء، من خلال القيام بدور مؤثر على المستوى العالمى، سوء في مساعدة الدول الموبوءة، أو تقديم نفسها باعتبارها صوت "العالم النامى" وحتى نجاحها في إنتاج لقاح، وتقديمه للعديد من الدول حول العالم، بعدما أثبت فاعلية كبيرة، لتصبح الصين، خلال شهور الأزمة، أحد القوى التي يمكنها مناطحة أعتى الدول المتربعة على عرش العالم.
بينما تبقى الهند، رغم نجاحها الاقتصادى الكبير، ومعدلات النمو الكبيرة التي تمكنت من تحقيقها في سنوات محدودة، في مصاف الدول التي مازالت تعانى، ليس فقط إثر تفشى الوباء، وإنما أيضا من أفكار نمطية هيمنت على العالم منذ عقود طويلة، ربما ساهمت إلى حد كبير في تقويض قدراتها على احتواء الأزمة الصحية العالمية، على غرار التبعية غير المشروطة للغرب، بل وتقديم نفسها، في الكثير من الأحيان، كـ"عصا" يمكن استخدامه لمحاربة بكين سياسيا واقتصاديا، لتحقيق أهداف القوى العظمى المهيمنة على النظام العالمى، بينما لم تدرك حقيقة التغير الكبير الذى تشهده الخريطة الدولية، في ظل صعود قوى جديدة، باتت تفرض رؤيتها وأفكارها على العالم.
الهند تمسكت بتصدير صورة الديمقراطية، لتكون "واحة" جديدة للغرب في القارة الصفراء، بحيث يمكنها مناطحة الصين والسيطرة على الإقليم، بمباركة أمريكية، في حين كانت تلك الصورة بمثابة "الشوكة" في حلق نيودلهي، والتي عجزت عن مواجهة الوباء، بينما لم يتحرك الغرب الذى راهنت عليه لمساعدتها بالقدر الكافى في نهاية المطاف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة