ظاهرة تبدو جديدة، بعض الشىء، إثر ظهور صفحات ناطقة بالعربية، على مواقع التواصل الاجتماعى، تمثل كيانات، سواء دول أو منظمات، بل وأحيانا أندية كرة قدم، ليست ناطقة باللغة العربية، تحمل في طياتها، أهدافا تتجاوز، في حقيقتها مجرد تحقيق الانتشار، أو زيادة الشعبية، بين شعوب العالم، عبر التفاعل معها، سواء في التعليقات، أو إعادة النشر، أو غير ذلك من الأدوات التي تهدف إلى التوسع، وإنما تمتد في نطاقها إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر تحقيق أهداف سياسية، أو الإضرار بالمصالح، لتتحول تلك الصفحات إلى فخ للشعوب، أكثر منها وسيلة للتقارب معها.
وللحقيقة، فإن التعميم فيه سم قاتل، فهناك نماذج لا يمكن أن ننكر مشروعية هدفها، منها على سبيل المثال، الصفحة التي دشنها نادى بايرن ميونيخ، والتي شهدت رواجا واسعا في المجتمعات العربية، وخاصة في مصر، تزامنا مع مباراة الفريق الألماني مع النادى الأهلى، خلال بطولة كأس العالم للأندية، والتي أقيمت في قطر، في فبراير الماضى، حيث نجحت نجاحا مبهرا، في استقطاب ألاف المتابعين، وحققت تفاعلا كبيرا، إثر خبرة واضحة لدى القائمين عليها، في التعامل مع العقلية المصرية، ليس فقط عن طريق اللغة العربية، وإنما أيضا في استخدام "إفيهات ولاد البلد"، عند الحديث عن المباراة، وبصورة تقترب تماما من حديث الشارع وتعليقاته على المباراة.
إلا أن ثمة صفحات أخرى ناطقة بالعربية، لكيانات غير عربية، فيها "فخاخ" منصوبة، تهدف في الأساس إلى تقويض الجهود المصرية، الرامية لتحقيق أي إنجاز ملموس، مرورا بالإضرار بمصالح البلاد، وحتى تشويه صورة المصريين أمام العالم، بهدف إظهارهم بصورة عنصرية تارة، أو قلب الحقائق وتزييفها أمام العالم، إلى الحد الذى يمكن معه وضعنا في صورة "دعاة" الحرب، وهو الأمر الذى لا يتوافق بأى حال من الأحوال مع الواقع على الأرض.
الاستراتيجية التي تعتمدها تلك الكيانات، ربما ليست جديدة، وإن كان يطرأ عليها أسلوب جديد في التطبيق، فهى تقوم على نفس المبدأ القديم، الذى حاولت بعض الدول انتهاجه، منذ عقود، عبر محاولة تصدير نفسها أمام العالم في صورة الجار "المضطهد"، من جيرانه، حيث كانوا يستعينون في تلك الحقبة، بخطبة سياسية، أو تعبير مجازى أصدره أحد القادة، وربما قصاصات من مقالات صحفية، ينشرها كاتب مرموق في صحيفة ما بهدف ترسيخ الصورة الذهنية لدى المجتمع الدولى، بأنهم "مكروهون" في محيطهم الجغرافى، وبالتالي تبرير انتهاكاتهم وجرائمهم التي يرتكبونها في حق شعوبنا.
ولكن مع التطور الكبير في التكنولوجيا الحديثة، لم تعد هناك حاجة كبيرة للاعتماد على الصحف والمقالات والخطابات الرسمية، بل أن الأمر يمكن تطويره، إلى الحد الذى يمكن معه إلصاق النهج العدوانى للشعوب، عبر تدشين مثل هذه الصفحات، واستخدام التعليقات المكتوبة على منشوراتها، والتي ربما تأتى في الكثير من الأحيان من حسابات مزيفة وغير حقيقية، بهدف تقويض الخطاب الرسمي الذى يتسم باعتداله تجاه قضية بعينها، إلى آخر عدوانى، بل وأحيانا يمتد تأثيراتها إلى الوقيعة بين الدول الصديقة لتحقيق مكاسب لأطراف أخرى، وهو ما يساهم في تقويض الجهود التي تبذلها الدوائر الرسمية في التعامل مع مختلف الأزمات.
وهنا يصبح الرهان الحقيقى على وعى المواطن، والذى أصبح، شئنا أم أبينا، جزءً من المسئولية، عن القضايا الحساسة، والتي كانت يوما ما اختصاصا حصريا للدولة ومؤسساتها، بسبب ثورة التكنولوجيا، والتي جعلت لكل شخص منبرا إعلاميا، يمثل دائرته، وبالتالي فيصبح الحديث على مواقع التواصل الاجتماعى أمرا محسوبا، وينبغى الاهتمام به قبل إطلاق شعارات وكلمات، ربما لا يدرك الكثير أبعادها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة