اقرأ مع عباس العقاد.. "الإنسان فى القرآن" إجابة سؤال: من أنت؟ على طريقة الإسلام

الأحد، 05 يوليو 2020 12:00 ص
اقرأ مع عباس العقاد.. "الإنسان فى القرآن" إجابة سؤال: من أنت؟ على طريقة الإسلام كتاب الإنسان فى القرآن
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل مع المفكر العربى الكبير عباس محمود العقاد قراءة مشروعه الفكرى التنويرى الذى ناقش الكثير من الأفكار المعاصرة من وجهة نظر واقعية تتسق مع المجتمع المصرى والعربى والإسلامى الذى كان يعيش فيه، واليوم نتوقف مع كتاب "الإنسان فى القرآن".

يقول الكتاب:

إنسان القرآن هو إنسان القرن العشرين، ولعل مكانه فى هذا القرن أوفق وأوثق من أمكنته فى كثير من القرون الماضية، لأن القرون الماضية لم تُلجئ الإنسان إلى البحث عن مكانه فى الوجود كله، وعن مكانه بين الخلائق الحية على هذه الأرض، وبين أبناء نوعه وأبناء الجماعة التى يعيش فيها من ذلك النوع، وبين كل نسبة ظاهرة أو خفية ينتمى إليها، كما ألجأه إلى ذلك كله هذا القرن العشرون.

الإنسان فى القرآن
 
قديمًا كان الحكماء يجعلون شعارهم فى نصيحة الإنسان: "اعرف نفسك!" وإنها لنصيحة قد ترادف سؤالهم: مَن أنت؟ أو سؤالهم: ما اسمك؟ غير أن الإنسان إذا أجابه فإنما يجيبه باسم "باطنى" يعرفه بملامح وجدانه، وقسمات ضميره، ولا يقف عند تعريفه بالاسم الذى يختار اعتسافًا من بضعة حروف.
 
وهو على أية حال سؤال إلى "شخص" بعد شخص، قد يسمعه عشرون فى الحجرة الواحدة ويجيبون عليه عشرين جوابًا متفرقات.
 
وقديمًا كانوا يزعمون أن أبا الهول كان يلقى سؤاله، فيهلك من لم يعرف جوابه. وكان سؤالًا عن الحيوان الذى يمشى على أربع فى الصباح، وعلى اثنتين عند الظهيرة، وعلى ثلاث عند المساء، فكان سؤالهم لغزًا من ألغاز الأقدمين عن الإنسان فى أطوار عمره، بين الطفل الذى يحبو على أربع، والفتى الذى يعتدل على قدمين، والشيخ الذى يتحامل على عصاه. وهو لغز شبيه بطفولة الإنسان كله؛ لا تبتعد المسافة بين جهله وعلمه، ولا بين الهلاك فيه والنجاة.
إلا أن القرن العشرين جمع الأسئلة، فلم يدع سؤالًا عن نسبة من نسب الإنسان لم يطلب جوابه، على نذير بالهلاك لمن جهل الجواب، وقد يكون هلاكًا للجسد والروح.
ما مكان الإنسان من الكون كله؟
ما مكانه من هذه السيارة الأرضية بين خلائقها الأحياء؟
ما مكانه بين أبناء نوعه البشرى؟ وما مكانه بين كل جماعة من هذا النوع الواحد، أو هذا النوع الذى يتألف من جملة أنواع يضمها عنوان "الإنسان"؟
وهى أسئلة لا جواب لها فى غير "عقيدة دينية" تجمع للإنسان صفوة عرفانه بدنياه، وصفوة إيمانه بغيبها المجهول، تجمع له زبدة الثقة بعقله، وزبدة الثقة بالحياة؛ حياته وحياة سائر الأحياء والأكوان.
إن القرن العشرين كان حقيقًا أن يسمى بعصر "الأيديولوجية"، أو عصر الحياة "على مبدأ وعقيدة"، لأنه كلما ألقى على الإنسان سؤالًا من أسئلته تلك لم يعفه من جوابه، ولم يسلمه إلى جزاء أهون من جزاء الحيرة عند السكوت عليه؛ فإن يكن سكوتًا عن الأجوبة جميعًا؛ فهو الهلاك المحدق بالأبدان والعقول.
وليس أكثر من "المبادئ والعقائد" التى نسمع عنها فى هذا القرن ويسمونها بالمذاهب و"الأيديولوجيات".
ولكن أجوبة القرن العشرين، مهما يكن من شأنها، فهى أجوبة العصر الذى يحل المشكلة الزمنية ولا يتعداها إلى مشكلة الأبد: مشكلة ما مضى، وما أتى من الدهر، وما يأتى إلى غير نهاية، ولا جواب لهذه المشكلة غير العقيدة الدينية التى تؤمن بها الإنسانية، فلا يغنى فيها إيمان فرد واحد بينه وبين ضميره، أو جواب سؤال واحد لمن يقول: من أنت؟ وماذا تعرف من نفسك بين عامة النفوس؟ قصاراك أنك واحد منها بين ألوف الألوف، عاشوا ويعيشون وسيعيشون، ولا يسكتون عن تلك الأسئلة عامة، ولا أمان لهم ولا لك إن سكتوا عليها.
هذه العقيدة الدينية توجد كما ينبغى أن توجد، وإنما الضلالة فيمن يريدها على غير سوائها الذى تستقيم عليه، ولا تستقيم على سواه.
هذه العقيدة الدينية لا توجد اليوم لتنبذ غدًا، ولا توجد على الأيام للعَارفين دون الجاهلين، وللعاملين دون الخاملين، ولمن يطلبون الخير للناس دون من يطلبون الخير لأنفسهم، ولمن يعتقدون دراية ومحبة دون من يعتقدون تسليمًا ورهبة، ولمن يسعون سعيهم إلى العلم والإيمان دون من يقعدون فى مواطنهم منتظرين، وقد يقعدون وهم يجهلون أنهم قاعدون، ولا يعلمون ما الخبر وما المنتظر، إن علموا أنهم منتظرون!
هذه العقيدة بنية حية، قوامها دهور وأمم، ومعايش وآمال، ونفوس خُلقت ونفوس لم تُخلق، ونفوس يخلق لها تراثها قبل أن يصير إليها، وسبيلها جميعًا أن تتهدى إلى قبلة واحدة: تنظر إليها فتمضى قُدمًا، أو تفقدها فى الأفق فهى أشلاء ممزقة، كأنها أشلاء الجسم المشدود بين مفارق الطريق.
إن القرن العشرين منذ مطلعه يعرض العقيدة بعد العقيدة على الإنسان وعلى الإنسانية، ولا نعلم أنه عرض عليها حتى اليوم قديمًا معادًا، أو جديدًا مبتدعًا هو أوفق من عقيدة القرآن، وأوفق ما فيها أنها غنية عن الاختراع والامتحان، وأنها على شرط العقيدة الدينية من بنية حية شملت ملايين الخلق، وثبتت معهم وحدها فى كل معترك زبون يوم خذلتهم كل قوة يعتصم بها الناس.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة