نشاهد اليوم لوحة "بائعة البرتقال" والتى أبدعها الفنان لودفيج دويتش، وذلك من أمام سبيل ووكالة نفيسة البيضا بالغورية 1886، وفى اللوحة نرى البرتقال فى لونه الناصع معروض على جانب الشارع، تعرضه امرأتان، إحداهما تغطى وجهها، والأخرى لا تغطيه، بينما الرجل يبدو أنه "يفاصل" البائعة حتى صارت كما تنقل اللوحة توشك على الشجار معه، لكنه استسلم فى النهاية وبدأ فى دفع ثمن البرتقال كاملا كما أرادت المرأة.
بينما تتابع البائعة الأخرى ورجل آخر ما يحدث بين البائعة والمشترى دون انفعال كبير، فمن الواضح أنهما اعتادا على مثل هذا الجدال، لكن أكثر ما يشغل "لودفيج دويتش" شغفه بالمعمار المملوكى الواضح فى كل التفاصيل فى اللوحة، فى أى جهة نظرت ترى مصر الإسلامية، ترى مصر الجميلة، حتى فى الوجه الجميل للبائعة.
وعن علاقة لودفيج دويتش بـ القاهرة كتب نبيل رمضان فى مجلة القافلة يقول: استوقفه فى هذه المدينة بشكل خاص العسكريون النوبيون الذين كانوا يحرسون القصور والمبانى العامة، فرسمهم فى لوحات عديدة، بتركيز شديد وواضح على كبريائهم وقوة بنياتهم وأبهة مظاهرهم وملابسهم.. ورسم مشاهد من حياة العامة، مثل "بائع السحلب" و"لاعبا الشطرنج"، كما رسم مناسبات مميزة مثل "المحمل"، الذى يمثل انطلاق موكب نقل كسوة الكعبة المشرفة من القاهرة إلى مكة المكرمة.
كان دويتش يكتفى فى القاهرة بإنجاز الرسوم التحضيرية على الورق، لينجز لاحقاً اللوحة الزيتية فى محترفه فى باريس بأسلوب واقعى دقيق حتى الحدود القصوى، جعل كثيراً من النقاد يجزمون أنه كان يعتمد ولو جزئياً على الصور الفوتوغرافية، إذ إن هذا الالتزام برسم أصغر التفاصيل بدقة شديدة لم يكن مألوفاً عند معاصريه، ولم يظهر إلا بعده بنحو نصف قرن فى "الواقعية الفائقة" أو "الواقعية الفوتوغرافية" التى ظهرت فى أمريكا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة