من بين الفرق الكلامية المعروفة على مدار التاريخ الإسلامى، كانت " الماتريدية"، نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبى منصور الماتريدى، الذى ينتهى نسبه إلى الصحابي أبى أيوب الأنصارى، وهى مدرسة إسلامية سنية.
يعتبر الماتدرية من أهل السنة والجماعة، وبحسب المفكر الكبير أحمد أمين فى كتابه (ظهر الإسلام) "سمى الأشعرى وأتباعه والماتريدى وأتباعه بـ (أهل السنة) وقد استعملت كلمة (أهل) بدل النسبة، فقالوا: أهل السنة أى السنيين".
مرت الماتريدية كفرقة كلامية بعدة مراحل، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبى الحسن الأشعرى، واتسمت عند تأسيسها بشدة المناظرات مع المعتزلة، أسسها أبو منصور الماتريدى، وهو محمد بن محمد بن محمود الماتريدى السمرقندى، نسبة إلى (ماتريد) وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، أطلق عليه "الماتريدية" ومن وافقهم عدة ألقاب تدل على قدره وعلو منزلته عندهم مثل: "إمام المهدى"، "إمام المتكلمين".
وبحسب موسوعة الدرر السنية، تعد الماتريدية من (الصفاتية)، وذلك لأنهم يثبتون بعض الصفات، ويثبتون لهذه الصفات معنى حقيقياً يقوم بذات الرب تعالى، فليست هى عندهم مجرد وصف الواصف أو نفى الضد.
والماتريدية لا يرون تكليف الله لعباده إلا فيما يقدرون عليه، وخالفهم فى ذلك الأشاعرة فجعلوا التكليف بما لا يطاق جائزا وخالفهم الإسفرايينى والغزالى، والماتريدية أيضا يرون أن الله يفعل لحكمة تقتضى الفعل، بينما يرى الأشاعرة أن أفعاله تعالى على الجواز لا على اللزوم، وألزمهم الماتريدية باعتقاد جواز العبث فى أفعاله تعالى، كما ذهب الماتريدية إلى أن الله لا يفعل القبيح.
وقد استخدمت المدرسة الماتريدية الأدلة والبراهين العقلية والفلسفية في مواجهة المعتزلة، والجهمية فى محاولة للتوفيق بين مذهب أهل السنة والجماعة فى الاعتقاد ومذاهب المعتزلة والجهمية وأهل الكلام، وأعْلَوا شأن العقل مقابل النقل، وقالوا ببدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات عن طريق التأويل والتفويض، والقول بالمجاز فى القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعدم الأخذ بأحاديث الآحاد، وبالقول بخلق الكتب ومنها: القرآن الكريم؛ وعلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى النفسى.
انتشرت أفكار الماتريدية انتشارا كبيرا ما بين 700ـ1300هـ وكثر أتباعها فى بلاد الهند والصين، وبنجلاديش، وباكستان، وأفغانستان وتركيا، وفارس، وبلاد ما وراء النهر، والمغرب، ويعتبر الأزهر عقيدة الأشعرى والماتريدى هي التى تقوم عليها عقيدة الأزهر الشريف وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد، وحسم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب هذا الأمر بالتأكيد على أن "عقيدة الأزهر الشريف هي عقيدة الأشعرى والماتريدى وفقه الأئمة الأربعة وتصوف الإمام الجنيد".
وحذر من وجود مخطط لاختطاف الفكر والمنهج الأزهرى الوسطى المعتدل، الذى حافظ الأزهر عليه لأكثر من ألف عام، وأن الأزهر الشريف سيبقى أشعرى المذهب ماتريدى العقيدة، ومحافظا على الفكر الصوفى الصحيح الذى ينتمى إليه عشرات من شيوخ الأزهر على مدى تاريخه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة