الدبلوماسية الإنسانية ليست مصطلحا جديدا فى السياسة الدولية، حيث تجلت فى أبهى صورها منذ سنوات، عبر الأعمال الإغاثية التى تقوم بها العديد من الدول لدعم المناطق المنكوبة، سواء بسبب الحروب، أو الكوارث الطبيعية أو غيرها، حيث ساهمت بصورة كبيرة فى توطيد علاقة الدول بالشعوب، إلا أنها اتخذت العديد من المسارات الأخرى، فيما يمكننا تسميته بـ"سياسة التضامن"، والتى صارت تتبناها الدول فى الآونة الأخيرة، خاصة مع انتشار فيروس "كورونا".
"سياسة التضامن" تمثل جزءا لا يتجزأ من الدبلوماسية الإنسانية، وهو ما بدا واضحا فى مساعى بعض القوى الدولية نحو تقديم الدعم إلى الدول التى تفشى فيها الفيروس بصورة كبيرة، عبر تقديم المساعدات الطبية والدوائية، فى الوقت الذى تخلت فيه عنها الدول الأخرى، على غرار ما أعلنته الحكومة الروسية من استعداد لتقديم الدعم لإيران، فى مواجهة الأزمة الحالية، خاصة مع امتداد نطاق المرض إلى كافة الأقاليم الإيرانية.
وعلى الرغم من أن سياسة التضامن تعكس أهدافا إنسانية، إلا أنها تحمل فى طياتها طبيعة برجماتية بحتة، فى ظل مقارنة المواقف الدولية تجاه الأزمة، ففى الوقت الذى طغت فيه الحالة العدائية بين الولايات المتحدة من جانب، وكلا من الصين وإيران من جانب آخر، فى التعامل مع تفشى الفيروس، تنجح الحكومة الروسية فى توطيد تحالفها معهما، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى زيادة النفوذ الروسى فى آسيا، وبالتالى مزاحمة النفوذ الأمريكى المتنامى هناك.
الدور الروسى فى مجابهة "التخلي" الأمريكى لا يتوقف على خصوم أمريكا، وإنما يمتد إلى حلفائها فى ظل مخاوفهم الكبيرة من الانقلابات الأمريكية، وهو ما بدا واضحا فى اتجاه واشنطن نحو سياسات اقتصادية حمائية مع بداية حقبة الرئيس دونالد ترامب، عبر فرض رسوم جمركية على الواردات القادمة من تلك الدول، وبالتالى تبقى احتمالات تمدد السياسات الأمريكية لتشمل الجانب الإنسانى واردة، خاصة بعد حديث متشكك فى قدرة أمريكا على مجابهة الطلب المتزايد على الأدوات اللازمة لاختبار الإصابة بالفيروس القاتل.
وهنا يمكننا القول بأن فكرة التضامن الدولى فى ظل الأزمة الراهنة، تمثل مدخلا مهما لتوطيد التعاون، ليتجاوز البعد الإنسانى المجرد، إلى مجالات أخرى تحمل طابعا نفعيا، سواء على الجانب الصحى، عبر تبادل الخبرات بين الدول فى مجابهة المرض، أو الاقتصادى، وحتى تمتد إلى قضية النفوذ الدولى، فى ظل نظام دولى جديد بدأت تتشكل ملامحه، لا يقتصر على قطب واحد، كما هو الحال منذ نهاية الحرب الباردة، والتى وضعت الولايات المتحدة منفردة على قمة النظام الدولى، فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى.
الأزمات الإنسانية أصبحت بمثابة فرصة مهمة للعديد من الدول لوضع نفسها بقوة على الأجندة الإقليمية فى العديد من مناطق العالم، خاصة مع تصاعد دور الشعوب فى تشكيل الوجهات الدبلوماسية لدولها، وذلك بالتزامن مع بزوغ نجم التيارات الشعبوية، التى باتت تضع سياساتها بناءً على ما يمكننا تسميته بـ"الهوى الشعبى"، هو النهج الذى تتبناه واشنطن نفسها فى الآونة الأخيرة فى تحركاتها الدبلوماسية عبر امتداد خطاب ترامب الشعبوى، من الداخل الأمريكي، ليصبح نهجا دبلوماسيا من خلال مغازلة الشعوب الأخرى، وهو الأمر الذى تجلى بصورة كبيرة خلال زيارته الأخيرة للهند.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة