نقرأ معا كتاب "التضحية غير المجدية.. بحث فى العنف السياسى" لـ بول دوموشيل، ترجمة هالة صلاح الدين لولو، وصدر عن المنظمة العربية للترجمة.
ويقول الكتاب "برغم الحديث عن الأخطار المناخية، وشح الغذاء، وسيل التنبؤات حول جدب الأرض، وغور المياه، غير أن الشبح الأكبر بلا منازع هو "العنف" بكل أشكاله، الإرهابى منه، والإجرامى، والسياسىى.
وبات ترف أى مجتمع يقاس بمستوى أمنه أولا، ومن ثم تأتى بقية المعايير الأخرى، وبرغم مشاهدة أحداث عنف كبيرة بشرق آسيا، ومذابح جماعية لا تعقل فى أفريقيا، وحروب أهلية بالشرق الأوسط، ومجازر استثنائية فى أوروبا، وغالبها عنف عرقى وسياسى.
وإرهاب الحركات الراديكالية الذى طبع أواخر القرن العشرين وأبحر سابحا بالدماء منذ بدء الألفية الجديدة وإلى اليوم يعتبر أكثر شراسة وذلك لمخاتلته، ولطريقة حركته، وتجدد خططه، فهو ليس عنفا إجراميا يمكن حصره ولجمه، بل عنف آيديولوجى ليس له هدف مادى دنيوى محدد وإنما يغدو القتل هدفا والانتحار غاية، حتى وإن رفعت شعارات الدولة الإسلامية، أو إقامة نماذج متخيلة من خلافة أو مجتمع حق طاهر يحكم الشريعة.
لا تتعلق المسألة بالتحليل الاعتيادى لمعنى العنف، ولا التعليل الاجتماعي، أو النفسي، فضلا عن السياسي، بل عن العلاقة بين العنف وفكرته، بين الإرهابى ومقدسه، وذلك انطلاقا من أصل التضحية، تلك كانت ميزة مقاربة رينيه جيرار فى كتابه «العنف والمقدس» وهو بحث أنثربولوجى يسبر أصول العنف والتضحية ليس انطلاقا من التأويلات للنصوص المؤسسة بل والمتخلقة برحم الثقافات، وهو يبحث فى العلاقات بين التضحية والمقدس والعنف.
ضمن هذا المجال كتب منوبى غباشى ورقة مهمة حول "العنف المقدس" فيها اعتبر أن "الأضحية، القربان الدامى، مثل النموذج الأساسى للعنف المقدس".
بينما الأطروحة الأكثر رصدا لعلاقات العنف والمجتمع والإرهاب، فهى لأستاذ الفلسفة بجامعة "ريتسوميكان" بول دوموشيل وقد عنونها بـ"التضحية غير المجدية - بحث فى العنف السياسي"، الكتاب أهداه المؤلف لرينيه جيرار، وقد كان طيف أستاذه ماثلا فى فصول الكتاب، به حلل معنى العنف حتى لدى آكلى لحوم البشر كما فى عوده المتكرر لطرح آلان كوربن فى كتابه "قرية آكلى لحوم البشر" والذى يحلل فيه حادثة عنف جماعى حدثت فى إقليم دوردونى خلال حرب عام 1870.
ومن ثم يدخل على خط مفهومى مهم نحتته حنة أرندت وهو «تفاهة الشر» ويشرحه باعتباره «يعبر عن اندهاش أمام ما يمكن أن نسميه بـ(عدم تقديس الجلاد) ذلك أن ضخامة الجريمة وبشاعتها لا تمنحان أى عظمة لذاك الذى اقترفها، وأنهما لا تحيطانه بهالة مقدسة، ولا تمنحانه أى صفة غير عادية شريرة، تتناسب مع أفعاله، إزاء الإنكار الذى تظهره نفسيته وأساليبه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة