واجهت مصر كثيرًا من أوجه الاستعمار البغيض، الذى جاءها من كل الجهات، ساعيًا لفرض كلمته وتحقيق مصلحته وسرقة خيراتها لكنه خرج منكسرا، ومن ذلك الاستعمار الفارسى.
ومن خلال بحت بعنوان "الأطماع الفارسية فى مصر القديمة" لـ وحيد شعيب، يمكن معرفة ما الذى حدث بالضبط فى هذه الفترة التاريخية المهمة من تاريخ مصر.
يقول وحيد شعيب: "تدل مجريات الأحوال السياسية فى منطقة الشرق الأوسط خلال الثلث الأخير من القرن السادس على وجود علاقات دبلوماسية طيبة ووطيدة بين المصرين والبابليين مما شجع الملك البابلى نبونائيد على الانضمام إلى التحالف المصرى – الليدى وعقدت معاهدة دفاعية بين المصرى أحمس الثانى (الأسرة 26) والملم البابلى نبونائيد وملك ليديا كرويسوس. وكان الهدف الرئيسى لهذه المعاهدة الدفاعية هو الوقوف فى وجه التوسع الفارسى أيام حكم "كروش" الذى أراد أن يثأر من بلدان أقطاب الحلف الثلاثى ليتمكن من تنفيذ مشروعه الاستعمارى الكبير فى المنطقة، وبالفعل تمكن من أن يهزم البابليين والليديين واستعد للجولة الثالثة لغزو مصر انتقاما منها، ولكن وافته المنية فبل أن يحقق ذلك، ولم ينس ابنه قمبيز هذا الأمر وتولى هو تحقيقه بعيد تولى العرش بعد وفاة أبيه.
ومن ناحية ثانية لا يمكن أن نغفل الدور اليهودى البغيض فى توجيه الضربات الفارسية الغاشمة ضد شعوب منطقة الشرق الأوسط بعد أن حاولت شعوبها كالمصريين والبابليين استئصالهم من أرضها والتخلص من دسائسهم وخيانتهم، ولم يجدوا لهم من معين وكفيل سوى الفرس لدرجة أن اليهود اعتبروا أنفسهم من المواطنين الفرس بناء على ما كشفته الوثائق المختلفة فى السنوات الأخيرة من حكم الفارسى دارا الأول.
وشكل الموقع الاستراتيجى المهم لمصر دافعا كبيرا للفرس فى احتلال مصر. فقد كانت الخطة االفارسية تتركز فى استغلال هذا الموقع الاستراتيجيى للانطلاق إلى تكملة المشروع الفارسى الامبريالى والتوصول إلى الشمال الإفريقى والقرن الإفريقى.
وكانت الظروف من جميع النواخى تخدم الملك الفارسى قمبيز فى فتح مصر إذ استسلمت له بلاد السام بدويلاتها الكثيرة، ووضعت فينيقيا أسطولها الكبير تحت طاعته، وفقدت مصر أى مساعدة عسكرية خارجية ممن تبقى من أصدقائها وحلفائها بعد تحذير قمبيز لهن بالتخلى عن تقديم أية مساعدات لمصر... كما فقدت كذلك ملكها المحنك الذى كان يحكمها آنذاك وهو أحمس الثانى وخلفه على عرشها ملك سىء الطالع وهو بسماتيك الثالث.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التى جابهتها مصر خلال غزو الفرس لها، لكنها قاومت جهد الاستطاعة وخاضت بقيادة ملكها التعس بسماتيك الثالث معركة عنيفة ضد الفرس فى الفرما على الحدود الشرقية فى عام 525 قبل الميلاد ورأى المؤرخ اليونانى هيرودوت آثار المعركة بعد ثلاثة أرباع القرن من وقعها فشهد بضراوة ما حدث فيها، وسجل ملاحظة طريفة ذكر فيها أنه رأى فى ميدان القتال عظام الفرس فى جهة ومن جهة أخرى عظام المصريين، وأن جماجم الفرس لينة جدا حتى يمكن ثقبها بحصاة إذا ضربت بها على عكس جماجم المصرين فصلبة جدا ويصعب كسرها بحجر.
وبعد أن دانت مصر للغازى المحتل قمبيز تمكن من أسر الملك بسماتيك الثالث وحاول استمالته إليه وإثنائه عن مقاومة الاحتلال وأطلق سراحه ولكن بسماتيك أبت عليه وطنيته إلا أن يستأنف المقاومة، ولما انكشف أمره قبض عليه وبقية الثوار المصريين وأرسل قمبيز فى طلبهم وعاملهم باحتقار وأمر بذبحهم.
ولم تكن تلك الحادثة هى الذكرى الأليمة التى أدمت قلوب المصريين من جراء الغزو الفارسى وإنما كانت هناك ذكريات أخرى كشفت عن سطوة وبطش وهمجية المحتل الفارسى بعيد الانتصار وهى حادثة ذبح ألفين من النبلاء المصريين من العاصمة المصرية القديمة منف جراء قيام مجموعة من الجنود المصريين بقتل مائتين من البحارة الفرس حاولوا التسلل على نتن سفينتهم الحربية إلى العاصمة منف لإقناع المصريين بعدم جدوى المقاومة والخضوع والاستسلام للأمر الواقع ولشرط الإملاءات الفارسية المهينة.
وعلى الرغم من القمع الذى تعرض إليه المصريون من الغزاة الفرس خلال احتلالهم البغيض لبلدهم، إلا أن نار الوطنية المغلوبة على أمرها لم تخب تماما تحت الرماد وهبت سلسلة من الثورات العنيفة التى كان وقعها شديدا على الفرس. ونتيجة للضربات المصرية الموجعة للاحتلال نجح المصريون فى نهاية المطاف من دحر عدوهم وطرده خارج بلدهم وأسسوا حكومة وطنية حرة مستقلة فى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة