ذهب طلعت حرب باشا رئيس بنك مصر إلى وزير المالية حسين سرى باشا، يطلب أن تقف الحكومة مع بنك مصر فى أزمته عاما، وفقا لفتحى رضوان فى كتابه «طلعت حرب – بحث فى العظمة»..مضيفا: «قال سرى: «يا طلعت باشا إدارتك للبنك سيئة، فرد طلعت: كنت أعطيك بيدى هذه كخبير لشركة المحلة ستمائة جنيه كل سنة، فكيف تكون اليد التى تقبل منها هذا المال، يد لا تحسن الإدارة».
جاءت استغاثة«حرب»فى محاولة منه لإنقاذ البنك، وكانت الاستغاثة فور اندلاع الحرب العالمية الثانية فى 1 سبتمبر 1939..كان يبلغ من العمر 72 عاما«مواليد»25 نوفمبر 1867»، ويواصل رئاسته لهذا الصرح الذى أسسه يوم 7 مايو 1920 بدعوة منه، وتلبية لهذه الدعوة اكتتب 126 مصريا بثمانين ألف جنيه، كانوا هم النواة الأولى فى مشروعه الاقتصادى، الذى يشار إليه كواحد من المحاولات الرائدة لاستقلال الاقتصاد المصرى.
تشابكت أسباب عامة وخاصة أدت إلى نجاح فكرة طلعت حرب..فى العوامل العامة: «فطرته هدته إلى أن ثورة 1919 هيأت النجاح لفكرته العزيزة» بوصف رضوان الذى يشير إلى أن ذكاء حرب الشخصى فى القيادة تمثل فى: «لم يصدر منه قط ما يغضب حزبا ولاهيئة ولاطائفة، ولاعصبية ما من العصبيات ذات النفوذ، وضم مجلس إدارة البنك كبار الرجال من المسلمين والمسيحيين واليهود، وحرص على تمثيل العائلات ذات الماضى التجارى، كما حرص على أن يكون على رأس المجلس رجل على صلة بالسراى الملكية، وبلا لون ولا نشاط، ولا موهبة ليكون حلية حقيقية».
«بقى بنك مصر فريدا فى تاريخ النشاط الاقتصادى والاجتماعى بهذه الصفات»، حسبما يذكر«رضوان»مشيرا إلى أنه منذ تأسيسه حتى سنة 1945، أى بعد وفاة طلعت حرب بأربع سنوات، كانت الشركات التى أسسها البنك هى، فى سنة 1922 شركة مطبعة مصر برأسمال خمسة آلاف جنيه زيد حتى أصبح 50 ألف جنيه، وفى سنة 1925 شركة مصر لحليج الأقطان برأسمال 30 ألف جنيه زيد إلى 250 ألفا.. فى سنة 1925 شركة مصر للنقل والملاحة برأسمال 40 ألف جنيه زيد إلى 150 ألفا.. فى سنة 1925 شركة مصر للتمثيل والسينما برأسمال 15 ألفا زيد إلى 75 ألفا.. فى سنة 1927 شركة مصر لنسج الحرير برأسمال 10 آلاف جنيه زيد إلى 250 ألفا.. فى سنة 1927 شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى برأسمال 300 ألف جنيه زيد إلى مليون جنيه، إلى جانب سندات أصدرتها الشركة على ثلاث دفعات تبلغ قيمتها مليون جنيه تستهلك فى كل عام.
يواصل رضوان: «فى سنة 1927 تأسست شركة مصر لمصايد الأسماك برأسمال 20 ألفا زيد إلى 75 ألفا.. فى سنة 1927 تأسست شركة مصر للكتان برأسمال 10 آلاف زيد إلى 45 ألفا..فى سنة 1930 تأسست شركة مصر لتصدير الأقطان برأسمال 120 ألفا زيد إلى 160 ألفا.. فى سنة 1932 تأسست شركة مصر للطيران برأسمال 20 ألفا زيد إلى 80 ألفا.. فى سنة 1932 تأسست شركة بيع المصنوعات برأسمال 5 آلاف جنيه زيد إلى 80 ألفا.. فى سنة 1934 تأسست شركة مصر للتأمين برأسمال 200 ألف.. فى سنة 1934 تأسست شركة مصر للملاحة البحرية برأسمال 7 آلاف جنيه.. فى سنة 1934 تأسست شركة مصر للسياحة برأسمال 7 آلاف جنيه.. فى سنة 1934 تأسست شركة مصر لدباغة وصناعة الجلود برأسمال 5 آلاف جنيه زيد إلى 50 ألفا.. فى سنة 1938 تأسست شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار برأسمال 250 ألفا ثم زيد إلى نصف مليون جنيه.. فى 1938 تأسست شركة مصر للمناجم والمحاجر برأسمال أربعون ألفا.. فى سنة 1938 تأسست شركة مصر لصناعة وتجارة الزيوت برأسمال قدره 30 ألفا».
هذا السجل الاقتصادى الحافل يجعل فتحى رضوان مقتنعا بأن طلعت حرب من«مؤسسى الدول»، وأصبح اسمه مقرونا بهذا البنك الذى يعد«أول بنك مصرى يقوم على أكتاف الشعب نفسه، بلا معونة من الحكومة، ولا إشراف، ولا توجيه، بل ولاحتى مجرد العطف على الفكرة»..غير أنه وبعد 19 عاما، وكما يذكر رضوان:«بدأ الطعن فيه، وفى إدارته، وفى أسلوب عمله، وكان أكبر ما نسب إليه أنه حبس أموال البنك السائلة، التى كانت يجب أن تكون فى متناول عملاء البنك يسحبون منها متى شاءوا»..يعتبر رضوان هذه التهمة«هينة، لا تثبت طويلا للتمحيص»، ووفقا للكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد فى الجزء الثالث«سنوات ماقبل الثورة -1930 -1952»:«قدم طلعت حرب استقالته أوبمعنى آخر أصرعلى تقديمها، ظنا منه أن ذلك كفيل بإنقاذ البنك، بعد أن فطن أنه المقصود الأول، وكان ذلك فى 14 سبتمبر-مثل هذا اليوم، 1939»..فكيف مضت هذه الخطوة؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة