يقول روبرت دارتون فى كتابه "المذبحة الكبرى للقطط" الصادر عن المركز القومى للترجمة، ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم، إن المؤرخين درسوا الحكايات التى كانت تقرأ بصوت مرتفع بين الفلاحين، وجمعوا إحصاءات عن الوصايا التى توحى بكيفية تخيل الفقراء لما بعد الحياة، وبحثوا فى موضوعات غريبة مثل السحر والتحكم فى قوى الطبيعة، وقطع الطرق، والطب الشعبى، ومع ذلك لم يحقق المؤرخون تقدماً منهجياً ملحوظاً فى هذا المجال من الدراسات، إلى أن بدأوا فى استعارة مفاهيم ومناهج وطرق بحث من علم آخر قريب، وهو علم الأنثروبولوجيا.
ويعد كتاب "المذبحة الكبرى للقطط" الذى نشر لأول مرة عام 1984 محاولة مبكرة لكتابة التاريخ بهذا المعنى، وقد قصد مؤلفه أن يكون الكتاب لأجل جمهور من غير المتخصصين، ولذلك لم يعتمد على التأصيل النظرى، فقد أراد أن يبين كيف يمكن أن يعمل التاريخ الأنثروبولوجى عن طريق كتابته هو ذاته بدلاً من كتابة موضوع منهجى مملوء بالحجج عن الكيفية، التى يجب أن يكتب بها التاريخ، وعن طريق النسخ التى سجلها علماء الأدب الشعبى فى القرن التاسع عشر ومقارنة بعضها ببعض، رأى المؤلف أنه من الممكن تمييز تراث شعبى يعبر عن توجهات عامة نحو العالم، وعن طريق المضى على هذا النحو حاول المؤلف كتابة التاريخ الثقافى من أسفل، تماماً كما فعل المؤرخون الأوائل، أى أنه بدأ بعالم الفلاحين والحرفيين ثم انطلق إلى عالم التنوير.
يشير المؤلف إلى أنه فى ثلاثينات القرن السابع عشر، فى إحدى دور الطباعة بباريس قامت مجموعة من العمال المتدربين بعقد سلسلة من المحاكمات الهزلية للقطط، وانتهى الأمر بأنهم شنقوا كل القطط التى وقعت أيديهم عليها، لماذا وجدوا هذا الأمر مرحاً؟ بل لماذا وجدوه ممتعاً لدرجة أنهم أعادوا التمثيل الصامت لهذه المحاكمة عشرات المرات؟ هناك أسئلة أخرى كثيرة يجيب عنها المؤلف فى «المذبحة الكبرى للقطط»، عبر نظرة فاحصة للثقافة الأوروبية فى الفترة التى نسميها «عصر التنوير».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة