"لا يوجد إنسان بلا مقدس" هكذا كان يرى الفيلسوف الألمانى الراحل إريك فروم، فصاحب " الهروب من الحرية" كان يرى أن الإنسان مولود على فطرة العبادة والاعتقاد والإيمان، حتى فى حاله إلحاده فهو يبحث عن يقين مختلف.
وفى الرحلة من الشك والإنكار إلى اليقين، تأملات، مهما تشابهت، تظل خاصة عند أصحابها، فلكل منهم، طريق يحفظها فى تلك الرحلة، أفضت به فى النهاية إلى حقيقة راسخة.. العديد من المبدعين والمفكرين والأدباء، خاضوا تلك الرحلة الصعبة من الشك والتأمل والصراع بين القلب والعقل، لكن فى النهاية توصلوا للحقيقة واحدة وهى الإيمان.
داروين
الراجح وفقًا لمذكرات داروين وما ذهب إليه "ديفيد كوامن فى كتابه "داروين مترددا" أن داروين فقد إيمانه بعد سن الأربعين، ويستند "كوامن" لما قاله تشارلز إلى أحد أصدقائه: "لم أتخل عن قط عن المسيحية حتى الأربعين من عمرى".
وبعد وفاة ابنته "آنى" تحرر داروين من الإيمان الدينى ومن الروحانيات، ورفض إقامة من الطقوس، وكان يعتقد أن هذه الطقوس الكنسية الانجليكانية للدفن، بتأكيدها على البعث لحياة أبدية، "أمور زائفة" لا معنى لها.
الكاتب "ديفيد كوامن فى كتابه "داروين مترددا"، لفت إلى أن هناك مرحلة مختلفة فى حياة داورين، وهى مرحلة الهرم إذ أنه أصبح يعتمد على "إيما" زوجته، والتى عندما سمعت بأفكاره الجامحة المهرطقة، كتبت له قائلة: "لا تظن أن هذا ليس شأنى، أنه ليحمل كثير من الأهمية بالنسبة لى". وكتبت له رسالة أخرى مفاداها "سأكون أشد تعاسة لو أعتقد أنه لا ينتمى أحدنا للآخر وللأبد".
ولم يكن فى استطاعة داروين إلا أن يتعاطف معها أو يتجنب الموضوع، ولم يكن من طبعة أن يكذب لكنه فى وقت ما خط ملحوظة فى نهاية خطابها، "عندما أموت، فلتعرفى أنى كثيرًا ما قبلت هذا الخطاب وبكيت"، وهو ما جرى تفسيره بأن الفيلسوف الراحل، رحل وفى قلبه الإيمان.
أنتونى فلو
قطع أكثر من خمسين عاما فى التأسيس للإلحاد فى الفكر الإنسانى المعاصر، حيث بدأ إلحاده عام 1946، وكان يرى أن أول كائن حى نشأ كان من العدم، و استمرت أكثر من خمسین سنة فى الإلحاد وكتابته للعديد من الكتب التى تؤيد الموقف الإلحادى وخوضه العديد من المناظرات التى تدافع عن الإلحاد ثم تحوله بعد كل هذه السنین إلى الإيمان بوجود الإله لابد أن يضیف مصداقیة كبیرة لما سیقوله فى ھذا الكتاب
وقال العالم الراحل "كان الذهاب إلى الكنيسة وترديد الصلوات وبقية الطقوس الدينية بالنسبة لى بمثابة مسئولية ثقيلة، ولم أشعر على الإطلاق برغبة ولو قليلة بالاقتراب من الإله".
فى عام 2004 أعلن أنتونى فلو، انتقاله من الإلحاد إلى الإيمان، ونشر كتابه "فرضية التوحيد" وأكد فيه: "إن تراجعى عن الإلحاد لم يكن بسبب أى ظاهرة أو حجة جديدة، فخلال العقدين الماضيين كان مجمل الإطار الفكرى لى فى حالة تبدل، وكان هذا نتيجة تقييمى المستمر لأدلة الطبيعة".
محمود الجندى
مر الفنان الراحل محمود الجندى، بمرحلة من الشك الدينى، التى وصفها هو بفترة التمرد، موضحًا أن مكتبته كانت مليئة فى هذه الفترة بكتب تحفز على الإلحاد.
وكان الفنان محمود الجندي، صرح من قبل فى أحد لقاءاته التليفزيونية أنه ابتعد فى فترة ما من حياته عن الله، وبدأ يشك فى ثوابت الدين، وأن ابتعاده عن الله كان بسبب كتاب "حروب دولة الرسول" للمفكر سيد القمنى، أن هذا الكتاب جعله يشك فى الأحاديث النبوية وفى السيرة، مؤكدًا أنه لم يلحد، ولكنه ابتعد عن طريق الله.
يذكر أن موقف محمود الجندى لم يستمر من الدين طويلًا، فكان حادث احتراق شقته رسالة إلهية للعدول عن فكره، ويقول الجندى: "بعد وفاة الفنان مصطفى متولى ثم حادث وفاة زوجتى فى الحريق الذى نشب بمنزلى، وجدت أن الجزء الذى يحترق بشدة هو الجزء الخاص بكتب الإلحاد، عندها جاءتنى شرارة فى عقلى نبهتنى لما حدث".
محمد سلماوى
الكاتب الكبير محمد سلماوى، فى مذكراته "يوما أو بعض يوم" والذى أكد أنه بسبب صدقه مع نفسه أولا ثم مع القارئ، كتب فيها أنه كان ملحدا فى سنوات المراهقة، وذلك بسبب قراءاته الكثيرة فى فلسفة أرتور شوبنهاور ونيتشه وغيرهما آنذاك، مضيفا أنه خرج من هذه المرحلة إلى أخرى عندما اكتشف أنه مؤمن من داخل نفسه، وبين هذا فى المذكرات، وكتب هذه الكلمات عن قناعة تامة، فإذا لم يكن الإنسان صادقا فى مذكراته فلا داعى لكتابتها، فليس الهدف منها تجميل الذات، وإنما سرد تجربة شخصية قد تكون مفيدة.
وأوضح: "فى سن الشباب والفترة بين الثانوية والجامعة كنت متمردا على حياتي الشخصية "، واستطرد: "ثم بدأت أسأل نفسي عدة أسئلة في الدين، وقرأت لفلاسفة كثر، وتصورت أنني وصلت لقناعة بأنه الدين من صنع الإنسان، وهو ما اكتشفت خطأه بعد ذلك، لكن عقلي أعادني لصوابي وأخرجني من هذه الحالة، واكتشفت أن روحي مؤمنة وأنا مؤمن".
مصطفى محمود
الدكتور مصطفى محمود، كان أحد المفكرين الذين مروا فى بدايتهم بمرحلة من الشك، وهو ما ذكره، عندما قال: " "لقد رفضت عبادة الله لأنى استغرقت فى عبادة نفسى وأعجبت بومضة النور التى بدأت تومض فى فكرى مع انفتاح الوعى وبداية الصحوة من مهد الطفولة".. بهذه الكلمات بدأ الدكتور مصطفى محمود وصف رحلته من "الشك" لـ"الإيمان" فى الكتاب الذى وضعه ليروى فيه قصة انتقاله من الشك فى وجود الله إلى الإيمان واليقين التام بوجوده.
30 عاما ظلت الشكوك تراود المفكر الراحل، إلى توصل إلى اليقين والإيمان، لكن الشائعة ظلت تطارده فيما تلا ذلك من أعوام، حتى بعد أن بدأ تقديم برنامج العلم والإيمان فى بداية السبعينيات محاولاً فيه إيجاد رابط بين الطرفين، وإصداره كتباً مثل "الله"، و"رأيت الله".
ويرى الكاتب الراحل أنه "عاش آلاف الليالى من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر فى إعادة النظر ثم تقليب الفكر على كل وجه"، لـ"يقطع فيه الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت إلى ما كتب من كلمات على درب اليقين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة