لطالما أكدت أن التعديلات الدستورية ينبغى أن تلقى كل الحرص على مناقشتها بجدية وموضوعية على نحو يضمن أن تخرج وقد حققت قواعدها الصحيحة من كل الجوانب، وغير ذلك نكون قد أهملنا فى حقوق يمتلكها الشعب بأكمله، وليس من يقومون بالتعديلات فحسب.
والواقع أننى كنت أتوقع أفضل من ذلك فيما يتعلق بعدة جوانب تتعلق بالتعديلات الدستورية، وبما يتناسب وحجم الطموحات المعلقة على التعديلات لتدفع بالدولة باتجاه تحقيق أهدافها التنموية من جهة، وتحقيق إصلاح سياسى حقيقى يعزز من جهود ضخمة بُذلت وتُبذل بصدق فى مجال الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الذى تشهده البلاد على نحو لا يمكن تجاهله.
ولعلى أُشير إلى ذلك بإيجاز فيما يلى من ملاحظات:
الحوار المجتمعى الذى بدأه مجلس النواب فى العشرين من مارس الجارى، ليعقد 3 جلسات على مدى أسبوعين، يعبر عن جهد مشكور وإصرار من الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس، على أداء الأمانة رغم صعوبتها، إلا أننى لم أجد أثراً يُذكر للحوار المجتمعى خارج أسوار مجلس النواب!. ومما لا شك فيه أن أى حوار مجتمعى حقيقى لابد وأن تشارك فيه منظمات المجتمع المدنى، وكل مؤسسات الدولة، وليست الجهات السياسية فقط، بل إن الأحزاب تصورت بالخطأ أن دورها فى هذا الشأن ينحصر فى مشاركة نوابها تحت القبة فى المناقشات، وهذا غير صحيح بالمرة، ذلك أن وظيفة الأحزاب السياسية فى المجتمع تفرض عليها النزول إلى الناس فى الشارع، وإجراء حوارات مفتوحة معهم، والتعبير عن توجهات الحزب فى التعديلات، محل الحوار المجتمعى، ومحاولة اكتساب تأييد الناس لوجهة النظر الحزبية، وهذه هى قواعد «الحوار المجتمعى» التى تعرفها المجتمعات المتقدمة التى نجحت بالفعل فى بناء دولة مدنية حديثة، نتطلع إلى مضاهاتها فى بلدنا، وهذا ما أعرفه عن الحوار المجتمعى الحقيقى. إذن ليس البرلمان فقط المحل الوحيد للحوار المجتمع، والأحزاب كان عليها العمل فى الشارع وليس تحت القبة فقط.
الأمر نفسه تجده فى وسائل الإعلام المختلفة، حيث غاب النقاش العام عن شاشات الفضائيات التى اكتفت بنقل وجهات نظر لنفس الأشخاص الذين يتحدثون فى الفضائيات كل، وبوجهات نظر غير معنية بالمشاركة الحقيقية مع الناس.
ألفت الانتباه بشدة إلى أهمية التدقيق الشديد فى عملية صياغة التعديلات الدستورية، التى ستجريها فى مرحلتها الأولى اللجنة التشريعية والدستورية بالمجلس، وأرى أن الاستعانة بالعديد من المتخصصين أمر لازم، ومن هنا أتمنى أن تأخذ عملية صياغة التعديلات وقتها الكافى، دون ضغوط، حتى لا نجد أنفسنا بعد ذلك فى مواجهة بعد إشكالات ومطبات دستورية، تستنزف طاقتنا فى محاولات فضها.
وعليه، فإن توقعات مجلس النواب بانتهاء التعديلات وصياغتها النهائية فى منتصف إبريل المقبل، أرجو ألا تكون مدفوعة بفكرة أن ننتهى من الاستفتاء قبل رمضان «6 مايو المقبل بإذن الله»، ذلك أن الأمر حقاً جلل، ولا يصح التعامل معه باعتباره مهمة نود لو أنجزناها قبل الاسترخاء المعتاد الذى يشهده شهر رمضان.
أعجبنى تأكيد الدكتور على عبدالعال أن التعديلات الدستورية المقترحة لم تذهب مطلقاً إلى فتح مدد الرئاسة، وأتمنى أن تخرج مؤسسة الرئاسة ككل عن إطار أى محاولات للمزايدة من هنا أو هناك، فلدينا رئيس غير طامع فى البقاء فى السلطة، وتأييد وحب الناس له لا يجعله فى حاجة إلى أن يصرح البعض أن استثناءً من مدد الرئاسة ينبغى أن يحصل عليه الرئيس السيسى، فهذا حديث يبتذل قيم ومبادئ الدستور الذى أفرزته الثورة المصرية، وأقسم الرئيس السيسى على حمايتها وصيانتها، ومن ثم لا مجال لضرب أمثلة عن دول بعينها فتحت مؤخراً مدد الرئاسة، خاصة وأنها ليست من الدول الديمقراطية المعتبرة، ولنتذكر جميعاً أن المادة «226» من الدستور تحظر تعديل مدد الرئاسة، إلا أنها لم تتحدث عن الفترة الزمنية لمدة الرئاسة، وهو الأمر الذى يجد توافقاً كبيراً نظراً لقصر فترة الـ4 سنوات عن تحقيق خطط الدولة، مثلما لا تحقق الاستقرار المطلوب الذى نتمناه ونحن نرسخ دولة مدنية حديثة.
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة