فى 20 فبراير 1910 وقعت فى مصر واحدة من أشهر الجرائم، عندما قام إبراهيم الوردانى باغتيال رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت بطرس باشا غالى.
تم الاغتيال أمام وزارة الحقانية فى الساعة الواحدة ظهرا حيث أطلق عليه الوردانى ست رصاصات أصابت اثنتان منها رقبته.
أما إبراهيم الوردانى فقد كان وقت اغتياله بطرس غالى شابا فى الرابعة والعشرين من عمره، ودرس الصيدلة فى سويسرا، حيث عاش بها عامين بدءا من سنة 1324 هـ / 1906م، ثم سافر إلى إنجلترا وقضى بها عاما حصل خلاله على شهادة فى الكيمياء ثم عاد إلى مصر فى ذى الحجة 1326 هـ / يناير 1909م ليعمل صيدلانيا، وكان عضوا فى الحزب الوطني، وعندما ألقى القبض عليه قال إنه قتل بطرس غالى لأنه "خائن للوطن"، وإنه غير نادم على فعلته.
وكان للوردانى ارتباط بجمعية مصر الفتاة، وبعد عودته لمصر أسس جمعية سماها "جمعية التضامن الأخوى" التى نص قانونها على أن من ينضم فيها يجب أن يكتب وصيته، ويقال إنه خالط التنظيمات الاناركية أثناء تواجده للدراسة فى سويسرا، و اعتنق مذهبهم.
وقد مثل الوردانى أمام المحكمة فى 21 إبريل 1910م وكان يرأسها الإنجليزى دلبر وجلى، وكان من المحامين الذين حضروا للدفاع عن الوردانى "أحمد لطفى السيد".
وعندما ألقى القبض على إبراهيم الوردانى قال إنه قتل بطرس غالى "لأنه خائن للوطن"، وإنه غير نادم على فعلته، واعترف أنه فكر فى قتل بطرس عندما حضر جلسة المجلس العمومى ورأى معاملة بطرس غالى الجافة لأعضاء المجلس، ومشاركته فى محكمة دنشواى، وكشف التحقيق مع الوردانى وجود أكثر من خمسة وثمانين جمعية سرية لم يكن للحكومة أى علم بها أو عنها.
ووجهت للوردانى تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهى جريمة عقوبتها الإعدام، وانشغل الرأى العام المصرى بالحادث انشغالا كبيرا، حتى فشت فى تلك الفترة خطابات التهديد التى كانت ترد إلى النظار (الوزراء) وكبار المسئولين فى الدولة.
وقام عبد الخالق باشا ثروت، الذى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق فى القضية، وقد ذكر فى مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة هى جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها "بدعة ابتدعها الوردانى بعد أن كان القطر المصرى طاهرا منها" ثم طالب بالإعدام للورادنى، ثم أرسلت القضية إلى المفتى (الشيخ بكرى الصدفى) لإبداء رأيه فيها، لكن المفتى تنحى لوجود مانع شرعى وهو عدم جواز قتل المسلم بدم كافر، إلا أن المحكمة لم تأخذ برأى المفتى، وكانت سابقة أن يعترض المفتى على حكم محكمة الجنايات برئاسة الإنجليزى "دولبر وجلى"، وفى يوم 18 مايو 1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام على الوردانى، وفى صباح يوم 28 يونيو1910م تم تنفيذ حكم الإعدام فى الوردانى.
وصدر قرار يُحرم على أى مصرى الاحتفاظ بصورة الوردانى وبقى هذا القرار ساريا حتى ثورة يوليو 1952م.
رأى الوردانى أن "بطرس باشا غالى" خائن ويستحق القتل لأنه وقع مع المعتمد البريطانى اللورد كرومر على اتفاقية الحكم المشترك للسودان بين مصر وبريطانيا، والتى كانت تعنى فعليا انفصال السودان عن مصر للأبد، كما ترأس بطرس غالى محكمة دنشواى، التى أصدرت أحكاما بالإعدام على أهالى دنشواى، كما أن بطرس غالى لعب دورا فى مشروع مد امتياز قناة السويس لمدة 40 عاما.
أثناء عرض حكومة بطرس غالى صفقة قناة السويس على الجمعية العمومية لمجلس النواب، ودار نقاش عنيف بين النواب من ناحية وبطرس غالى من ناحية أخرى، والذى هدد الأعضاء الذين عارضوا المشروع واحتد عليهم، وكان من ضمن الحضور فى الجلسة الورداني، الذى خرج ناقما على بطرس غالى عازما على قتله وهو ما قام به بالفعل بعد عشرة أيام فقط من هذه الجلسة العاصفة.
لقى إبراهيم الوردانى تعاطفا من الرأى العام المصرى، وسموه "غزال البر"، حتى أن الحكومة أصدرت قرارا يحرم على أى مصرى الاحتفاظ بصورته، وبعد صدور الحكم بإعدامه احتشدت الجماهير الغاضبة معلنة رفضها هذا الحكم الجائر، وكانت ليلة إعدامه ليلة حزينة على كل المصريين، وردد البعض الأغنية العميقة والضاربة فى عمق الوجدان المصرى: "قولوا لعين الشمس ما تحماشى.. لاحسن غزال البر- أى الوردانى- صابح ماشى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة