أكرم القصاص

بوتين من برلين إلى الكرملين.. بناء السلطة والنفوذ وانتشال روسيا من النسيان للتأثير

الأربعاء، 13 نوفمبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن أكثر السيناريوهات تفاؤلا يمكنه أن يتوقع مصير الضابط الصغير فى جهاز الأمن السوفيتى المحاصر فى مبنى جهاز «كى جى بى» بألمانيا الشرقية فلاديمير بوتين، وأنه سوف يستطيع وقف تدهور الاتحاد الروسى، ويعالج آثار الفوضى التى هددت روسيا نفسها، لتكون مجالا لتحركات الولايات المتحدة والغرب. 
 
ضابط الاستخبارات الصغير فلاديمير بوتين نجا بأعجوبة من حصار المتظاهرين، وفوضى سقوط سور برلين قبل 30 عاما، أصبح اليوم متهما بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية، والتأثير على آراء البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوربى، ولاعبا مهما فى الشرق الأوسط، يزور المملكة العربية السعودية، ويساهم فى التحول بالسياسة الإقليمية والدولية وأصبح بوتين أحد الأطراف التى ينظر لها لتقديم اقتراحات للصراعات الإقليمية والدولية. 
 
خاض بوتين طوال عشرين عاما صراعا داخليا وخارجيا، واجه تدخلات وأطماعا أمريكية وغربية، وانتقادات دائم لسياساته، من قبل اليسار واليمين فى آن واحد، وأظهر بوتين عقب توليه تأييدا للغرب وتعاطفا من الولايات المتحدة فى مواجهة الإرهاب فى هجمات 11 سبتمبر، لكنه واجه التمرد والإرهاب فى الشيشان بقوة وعنف، حسم وجوده، كما أعطى ظهره لانتقادات غربية وهو يجتاح شبه جزيرة القرم، حيث يرى أنها بوابة تهديد لأسطول روسيا البحرى.
 
ويعتبر محللون أوروبيون بوتين هو السياسى الأكثر أهمية منذ رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ونستون تشرشل، الرجل الذى جاء بمصادفة على أنقاض سياسات الرئيس الروسى الأسبق بوريس يلتسين الذى استقال بسبب المشاكل الداخلية مع وعد من بوتين بإغلاق ملفاته وعدم مطاردته، كان يلتسين مطلوبا فى الكثير من الملفات، لكن بوتين وفى بوعده وأغلق ملف يلتسين بما يحويه من أسرار وتفاصيل تصلب إلى حد تنفيذ سيناريو الفوضى وتفكيك الاتحاد الروسى. 
 
عندما تولى بوتين الرئاسة كانت روسيا تواجه إرهابا وحربا أهلية فى الشيشان وشمال القوقاز، واضطرابات متعددة فى مناطق أخرى، قضى معظم سنواته الأولى بعد انتخابه عام 2000 فى إخضاع السلطات التنفيذية ومضاعفة سيطرة الدولة على الاقتصاد وإحياء دور الأجهزة الأمنية. وتصادم مع القوى السياسية المختلفة، فقد اتخذ سياسات اقتصادية بدت أكثر انفتاحا على الغرب بالنسبة للشيوعيين وقوى اليسار، بينما بدت سلطوية بالنسبة لقطاعات رجال الأعمال والرأسماليين، خاصة أن فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتى أتاحت نوعا من الفوضى الفساد ومنحت الصفقات لأعداد محدودة وفرض بعض رجال المال سطوتهم بالحراسات الخاصة والميليشيات، وحسب الألمانى هانز - هينينج شرودر: لم يؤدِ تدشين العملية الديمقراطية فى روسيا بعد نهاية الحكم الشيوعى إلى تحسين جودة حياة المواطنين، أصبحت الأجور فى فترة حكم بوريس يلتسين غير كافية للمعيشة.. وكان الجميع فيه يصارعون من أجل البقاء».
 
نجح بوتين فى خفض نسبة الفقر وحقق معدل نمو مرتفع، ارتفع الناتج المحلى الإجمالى الروسى بنسبة 94%، وفى نهاية 2007 كان التحسن فى الأحوال المعيشية للروس واضحا، بعد أن جمع بوتين الخيوط الأساسية للاقتصاد فى يده، ارتفعت الأجور وتكونت فى روسيا طبقة وسطى أوسع، وحسب المحلل توماس كونتزه فى دويتش فيلة ديسمبر 2007: «تشكلت طبقة من رجال الأعمال الجدد الذين يديرون شركات صغيرة أو متوسطة، طبقة لم يكن لها وجود قبل بوتين ولديها اهتمام بأن تساند وجوده». 
 
قضى بوتين فترتيه الرئاسيتين الأولى والثانية فى إصلاحات اقتصادية، وظل محتفظا بارتباط مع الغرب بالرغم من أنه واجه معارضة من منظمات وجهات بعضها تجد دعما من الغرب، خاصة فى مجال المجتمع المدنى والمنظمات السياسية، ومع الوقت جمع السلطات فى يديه، واصطدم مع رجال أعمال ومعارضين وأخضع الإعلام بالكثير من الإجراءات القمعية، وكان يرى أن هؤلاء يعملون لصالح جهات من خارج روسيا أو لصالح رجال المال. 
وفى المرحلة الثانية بعد 2012 وسع بوتين من فكرة «السيادة»، ضم جزيرة القرم فى 2014، متجاهلا الغضب والغربى والعزلة والحصار، بوتين كان يرى أن ترك مجال الأمن القومى مفتوحا للتحركات الغربية، من شأنه أن يخنق روسيا ويجعلها رهينة، كما تدخل فى الصراعات المختلفة وساند سوريا فى مواجهة الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتقارب من أفريقيا، ودخل فى مناطق نفوذ كانت من مناطق الغرب والولايات المتحدة. وخلال مراحله الثلاث، تحول بوتين «من شخصية منبوذة إلى اللاعب السياسى الرئيسى فى الشرق الأوسط»، حسب وصف بى بى سى، حيث أصبح الشخص القادم من عالم النسيان لاعبا مهما فى عالم يموج بالصراعات.
 
كانت تجربة بوتين صياغة مجال سياسى مختلف وتحت السيطرة ومن أجل صورته العالمية كان عليه أن يؤسس منظومة إعلامية تواجه الدعاية الغربية المحترفة، وهذه فصل مهم فى تجربة بناء روسيا بوتين. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة