إن الدين الإسلامى عندما وضع أسسا "للعدالة الاجتماعية" الكاملة ارتفع بها عن أن تكون "عدالة اقتصادية" محدودة، وأن يكون التكليف وحده هو الذى يكلفها، فجعلها عدالة إنسانية شاملة، وأقامها على ركنيين مكينين: الضمير البشرى، من داخل النفس ذاتها، والتكاليف القانونية فى محيط المجتمع.
وبهذا يكون قد جمع بين هذه القوة وتلك، ولم يغفل عن ضعف الإنسان وحاجته إلى الوازع الخارجى والمؤيد التنفيذى، كما يقول سيدنا عثمان بن عفان: "يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن".
فالحق هو الدعامة الأولى لبناء المجتمع المتماسك المتين، وقد جعل الإسلام الشهادة أساساً فى إقامة الحدود، وفى إثبات الحقوق، والشهادة مسألة مردها إلى الضمير الفردى، وإلى رقابة الله على هذا الضمير، فالشهادة واجب الضمير وتكليف فى البدء: "ولا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا" (البقرة 282( ، وهى واجب وتكليف عند التقاضى "ولا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ومَن يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ "(البقرة 283) .
وهكذا يمنح النص القرآنى فى الإسلام الثقة الكاملة للضمير الإنسانى فى الحدود التى قد تصل إلى الجلد والرجم فى بعض الأحيان، وفى الحقوق المالية على السواء.
ولكنه لم يدع هذا الضمير لذاته، لقد أقام عليه رقيباً من خشية المولى عز وجل، وبشّره وأنذره، وجعل كل عمل من أعماله الإنسانية محسوباً عليه فى الدنيا والآخرة، لا مفر من العقاب، ولا خلاص من الجزاء: "ونَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (الأنبياء47) . وحسبنا أن نستعرض هنا وسيلتين من وسائل "العدالة الاجتماعية" التى أتى بها الدين الإسلامى وهما: الزكاة والصدقة، فالزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، وضرورة من ضرورات الإيمان، وضرب الإسلام أروع مثل للمؤمنين: " الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (النمل3)، كما وصف القرآن المشركين بأنهم: "الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ" (7).
والزكاة شريعة إنسانية خالدة تضمنتها تعاليم الأنبياء جميعاً قبل الإسلام، فلا دين بغير هذا الواجب المفروض بقوة التشريع المقدر فى المال بنسبة معلومة.
أما الصدقات فهى موكوله لضمير الفرد بلا حساب، وهى وحى الوجدان والشعور، وثمرة التراحم والإخاء، تحقيقاً للترابط الإنسانى، والتكافل الاجتماعى الشامل، وهذا ما سوف نفرد له مقالا آخر.
• أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.
عدد الردود 0
بواسطة:
رياض ....
العداله الشامله....
الله يرحمها يا دكتور .....