تحقيق فى دقيقة..بعد مرور ثلاث سنوات على الجريمة الإرهابية..قصة أقباط ليبيا الـ21.. "سافروا حالمين..وعادوا قديسين"..الأهالى يروون قصص وأحلام أبنائهم..ويؤكدون: نحلم باستعادة رفات الشهداء

الأربعاء، 11 أبريل 2018 11:30 ص
تحقيق فى دقيقة..بعد مرور ثلاث سنوات على الجريمة الإرهابية..قصة أقباط ليبيا الـ21.. "سافروا حالمين..وعادوا قديسين"..الأهالى يروون قصص وأحلام أبنائهم..ويؤكدون: نحلم باستعادة رفات الشهداء  أهالى أقباط ليبيا الـ21
تحقيق - محمد سالمان - تصوير - حسن محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

فى ساعة مبكرة من كل سبت، تنطلق حافلة لرحلة كنسية من القاهرة لزيارة معالم وأديرة معروفة للجميع فى الصعيد، لكن هذه المرة هناك جديد طرأ على الجولة، فقد أُضيفت محطة جديدة للطريق المعتاد، بمجرد الدخول فيها ينتابك شعور مختلف عن باقى المحطات، فهو شعور خليط من الحزن على الماضى والصبر على الحاضر وعظة للمستقبل.. هنا كنيسة شهداء الإيمان والوطن الكائنة بقرية العور فى مركز سمالوط بمحافظة المنيا. المحطة الجديدة فى الرحلة هى عبارة عن الكنيسة الجديدة، كما يطلق عليها أهالى القرية التى أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى ببنائها، تخليدًا لروح 21 قبطيا ذُبحوا بقلوب باردة، بأيدى تنظيم «داعش» الإرهابى فى مدينة سرت الليبية قبل 3 أعوام. كان لقرية «العور» النصيب الأكبر من الحزن، بعدما فقدت 13 شابا يافعا من أبنائها فى مأساة «سرت»، فدشن فيها هذا الصرح الدينى ليصير شاهدًا على صبر هؤلاء الأهل والأصدقاء والأحباب على مصابهم، ويقينهم بأن التشدد والتطرف لن ينتصر فى النهاية.

صدفة قادت أفراد الكنيسة للقاء بعض من أهالى الشهداء الذين كانوا متجمعين بأحد أركان الكنيسة فى انتظار مسؤولين بوزارة التربية والتعليم طلبوا لقاءهم لسبب لم يعلموه بعد، وأثناء تدفق الكبار والصغار للقاعة الموجود بها النصب التذكارى، استغل الأهالى الوقت للحديث حول عودة الرفات إلى القاهرة، ذلك الحلم المتبقى لديهم بعدما انقطع أملهم فى عودتهم أحياء بعد إذاعة فيديو الذبح فى 15 فبراير 2015.
 
ووسط المناقشات وتبادل المعلومات حول بيان النائب العام الليبى، الصديق الصور، بشأن اللقاء الذى جمعه مع النائب العام المصرى المستشار نبيل صادق وتسليم العينات المسحوبة من رفات الشهداء لمطابقتها مع عينات الأسر التى تم سحبها منهم منذ شهرين تقريبًا، اندفعت منال، سيدة تبدو فى العقد الثالث من العمر وهذه هى الزيارة الأولى للمكان، نحو آباء الشهداء وبحماسة كبيرة تحدثت إليهم قائلة: «إحنا اتعزينا، وربنا يصبرنا ويصبركم، وتِسلم البطن اللى شالتهم، والأب اللى رباهم، طبعا عزانا وعزاكم إنهم بقوا قديسين كبار.. وروحهم فى السما تعطينا البركة على الأرض».
 
 
مجموعة من الشباب القادمين من مركز القوصية بمحافظة أسيوط يقودهم شاب فى العشرينات من عمره يدعى أنطوان، وهو أحد خدام كنيسة العذراء بقرية السراقنا، أمّن على حديث منال باعتبار الشهداء «امتدادا للقديسين الكبار الذين تعرضوا للتعذيب والذبح فى العهد الرومانى.. وثباتهم وإيمانهم عظة وعبرة للأجيال الصغيرة فى العالم أجمع». الشاب أنطوان، عضو فريق قلب واحد «سانت كلوز» بكنيسة العذراء، انتهز فرصة وجود أهالى الشهداء فى الكنيسة ليؤكد لهم، أن زيارته لن تكون الأخيرة لهم، وأستأذنهم فى السماح لأطفال قرية السراقنا بأسيوط للاحتفال بعيد الأم معهم، ليتخذوا العظة من ثبات الآباء وسكينة الأمهات.
 
وانتهت الرحلة الكنسية وعاد أفرادها لبيوتهم، لكن رحلة من جاؤوا لزيارتهم والتى بدأت منذ ثلاث سنوات لم تنته بعد!، فقد كانوا يستقلون حافلة مثلهم وقرروا السفر، لكن مشيئة الله كانت سفرهم إلى السماء، فقد خرجوا من منازلهم عمالا بسطاء باحثين عن أرزاقهم لا يعرفهم سوى الدائرة المقربة، أحلامهم بسيطة مثلهم، بناء شقة للزواج، أو تأمين مستقبل لأبنائهم، ولم يعلموا وقتها أن العودة لن تكون فى الموعد المُحدد بعيد القيام المجيد أو غيره من المناسبات، بل ستكون عودتهم هى مناسبة يتحدث عنها العالم بأسره، وما بين بداية الطريق ونهايته هناك تفاصيل كثيرة وحكايات تستحق السرد.
 

الحكاية الأولى.. زغرودة أم الشهيد.. وبداية الرحلة!

فى 2 يناير 2015 جمعت مكالمة هاتفية الشهيد كيرلس بشرى مع والديه. لم يعلموا أنها الأخيرة، طمأنهم فيها على حاله فى الغربة وزملائه الذين يعيش معهم فى غرفتين صغيرتين، حينها كان القلق يساور الشاب من البقاء على الأراضى الليبية ليبادره والداه بطلب عودته لأرض الوطن.
 
فضل «كيرلس» التريث، وطمأن والديه بقرب عودته بينما كان يفكر فى الإرهابيين الذين يحولون بينه وبين تراب وطنه، حيث كان يقف الإرهابيون فى الطرق لإلقاء القبض على المسيحيين العائدين لبلادهم للاحتفال بأعياد الميلاد، فيما دعا الوالدان بعودة «كيرلس» سالمًا.
 
انقطع الحديث للأبد، ولم يعد الابن الطموح، فقد تم اختطافه رفقة 13 آخرين من سكنهم. أما الوالدان فظلا فى حيرة من أمرهما يطرقون أبواب كل المسؤولين حتى انقطع شكهم باليقين بعدما تابعوا مثل العالم أجمع على شاشات التلفاز مشهد ذبح أبنائهم على شواطى المتوسط، فتحول انتظارهم إلى عزاء على فلذة كبدهم، لكن الصبر سرعان ما ألهمهم أنهم «أصبحوا فى مكان أفضل مما كانوا فيه، ماذا يوجد فى الدنيا غير التعب؟!»، يتذكر الأبوان.
 
فور إنهاء قداسة الجنازة فى المنيا على أرواح الشهداء صباح يوم 16 فبراير 2015، أطلقت أم الشهيد كيرلس أول زغرودة لتزف ابنها للسماء، فقد بدت متماسكة أكثر من أبيه الذى مازالت كل التواريخ والمشاهد عالقة فى ذهنه لا يستطيع نسيانها منذ أبلغه الشهيد نيته للسفر بعد أداء الخدمة الوطنية فى 1 سبتمبر 2014 واستغلاله مهنته كنجار مسلح، مرورًا بالسفر يوم 26 أكتوبر من العام ذاته، ومكوثه لمدة شهرين للعمل هناك واتصالاته الدائمة لطمأنتهم على أحواله، وصولاً لاختطافه مع زملائه الثلاثة عشر من السكن بجانب 7 آخرين من بنى وطنه من على الطريق.
 
لم ينس «بشرى» السكرتير بإحدى مدارس وزارة التربية والتعليم لمدة 30 عامًا، تفاصيل حواره مع نجله عن السفر وما قاله له حينها: «يا عم خليك قاعد وأدينا بناكل ونشرب ومستورة»، ليرد الشاب عليه: «لو قعدت هنا لا أنا ولا أخويا هنتجوز، واللى هيجى هيبقى على قد المصاريف، وبعدين القرش فى البلد معدوم، فأنا هسافر عشان أبنى بيت وأتجوز».. بالفعل سافر الشاب صاحب الـ23عامًا وامتثل والده لرغبته.
 
لكيرلس، خمسة إخوة، ثلاثة أولاد، وبنتان، كان هو أكبرهم، جميعهم فى المراحل التعليمية المختلفة، عدا ولد يعاون والده فى العمل بالفلاحة، يحلم الأب بأن يصير مستقبلهم أفضل ويستكملوا تعليمهم على عكس الشهيد الذى رفض التدرج فى المراحل الدراسية، مفضلا العمل فى طائفة المعمار. ورغم مقاومة الوالد له، لكنه كان يردد دائمًا بعد عملى 30 عامًا فى التربية والتعليم راتبى لم يكسر حاجز الألفين جنيه، وما يعاونه فى الإنفاق على أسرته عائد الأرض، وعموما فإنه يتبع مبدأ الجودة بالموجودة ويشكر الله على رزقه.
 
 
تفاصيل الحياة اليومية لم تُله الأستاذ بشرى عن حلم استعادة رفات نجله وبقية الشهداء، فقد تابع الأخبار المتناثرة عن دولة ليبيا على أمل سماع أى شىء يُهدئ من روعه، وبعد سيطرة كاملة لـ«داعش» على سرت خلال عام 2015، بدأت البشائر تهل فى منتصف عام 2016 وتم الإعلان عن عملية «البنيان المرصوص» لطرد التنظيم الإرهابى من المنطقة الواقعة بين مدينتى مصراتة وسرت عبر ثلاثة محاور هى أجدابيا/ سرت، والجفرة/سرت، ومصراتة/سرت.
 
لم يكن والد الشهيد كيرلس أو أسر الشهداء وحدهم المتابعين لأنباء القتال مع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، إنما الملايين المفزوعون من جرائم التنظيم ظلوا يترقبون نهايته فى شتى بقاع الأرض، وليست المدن الليبية فحسب، وكان كل هؤلاء على موعد سعيد صباح يوم السابع عشر من ديسمبر 2016 بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية بشكل كامل فى مدينة سرت وتحريرها من القتلة، ورغم تلك البشرى ظلت الأسئلة تراود أذهان عائلات الشهداء، هل قبضوا على قتلة أبنائنا؟ هل لقوا جزاءهم على ما افتعلوه من جرم فى حق الإنسانية؟ أين دفنوا رفات أبنائنا؟ هل ستعود للوطن يومًا ما ليذهبوا للجلوس بجوارها عندما يأخذهم الحنين للراحلين؟
 

الحكاية الثانية.. فى بيتنا قسيس وشهيد

من عائلة الشهيد كيرلس إلى منزل الشهيد «أبانوب» يجلس والده المزارع البسيط عياد عطية شحاتة، مع زوجته، لمتابعة القنوات المختلفة، تستوقفه محطة تذيع فيديو لأحد الإرهابيين مرتكبى الجريمة.. ينتبه بشدة لأسمائهم وجنسياتهم، ويزداد تركيزه فور علمه باعتراف هذا المجرم بمكان الرفات، ويخبر أهل بيته أن إحساسه بعودة جثمان نجله منذ اليوم الأول للحادثة كان صادقًا، فقد أقسم أن رفات الشهداء ستعود يومًا ما، ولم يصدق حديثه بعض ممن حوله، لكن يقينه لم يتأثر ولو ثانية واحدة. يتنقل عم عياد بين القنوات وينتبه لما يُذاع عبر الشاشة الصغيرة، ومفاده أنه فى أكتوبر 2017 أفضت التحقيقات مع العناصر الداعشية المقبوض عليها خلال عملية البنيان المرصوص فى سرت، إلى المقبرة الجماعية التى دُفنت فيها جثامين من قتلوا ذبحًا على أيادى عناصر التنظيم، ليبثها فى إصدار حمل عنوان «رسالة موقعة بالدماء».
 
 
وتحدثت القنوات الإخبارية أيضًا حول الكشف عن العناصر المشاركة فى العملية، وهم أشخاص يُدعون أبو عبدالرزاق السنغالى، وأبو عبدالرزاق التونسى، وأبوحفص التونسى، وأبومحمد السنغالى، وأبوأسامة التونسى، وأبوعمر التونسى، وأبوالليث من مدينة النوفلية، إضافة إلى أن عملية الذبح تمت على شاطئ سرت بالقرب من فندق المهارى ومبنى الأمن العام فى المدينة، فقد تم انتقاء أشخاص بأجساد ضخمة ليظهروا فى الفيديو، ويحققوا رسالة التنظيم فى بث الفزع والرعب فى قلوب شعوب المنطقة.
 
ووسط متابعة تلك الأنباء، لا يغيب عن ذاكرة عم عياد لحظات جداله مع نجله ورفضه لسفره إلى ليبيا بعد إتمامه الخدمة العسكرية وتسلمه شهادة الجيش مطلع إبريل عام 2014، وقبل هذا التاريخ كان يجهز أوراقه لشد الرحال للدولة الغربية، وبالفعل سافر فى 6 مايو من العام ذاته مخالفًا وصية والده، بحثًا عن فرصة عمل ومصدر رزق لبناء حياته.
 
يلتمس المزارع البسيط العذر لرفض نجله الامتثال لرغبته بالبقاء فى القاهرة وعدم السفر للخارج، ويقول لنفسه دائمًا: كان شابا يحلم ببناء حياته ويريد الزواج، ماذا كان سيفعل فى القرية؟ يتذكر مشقته منذ صغره «اشتغل ورا نجار شوية ومساعدا لحداد وأخيرًا مبيض محارة، تعب كثيرًا فى حياته».
يردف الرجل الخمسينى بأسى: «الظروف لم تساعدنى على عونه، لذا لم أعارض سفره حتى النهاية، فقد كان مؤهله الدراسى دبلوم صنايع، لكن ماذا سيفعل به؟!، هل سيوظفه هنا فى الأرياف؟!»، جملة: «أجيب فلوس منين يابا.. أسرق يعنى؟» كانت الفاصل فى المناقشات بين الأب والابن، خاصة أن شقيقته تخرجت فى كلية العلوم من العشرة الأوائل ولم يتم تعيينها فى الكلية، و«ليس فى استطاعتى أن أفتح لها معمل تحاليل كى تُباشر عملها هنا فى المنيا بالقرب منى» يتذكر الأب.
 
يحكى عم عياد، لمن حوله عن نجله الآخر إبراهيم الذى صار قسيسًا بإحدى الكنائس بعدما التحق بالكلية الإكريليكية، فقد كان قبلها أحد خريجى كلية السياحة والفنادق الذين لا يجدون عملاً، لكنه يشكر الله فى صلواته دائمًا على ما منحه وأخذه منه، ويصطحب زوجته دوما للكنيسة القديمة التى تفضل زيارتها لقربها منها ولقائها بالأب «مقار» الذين يعتبرونه أبا للشهداء، فقد عايش تفاصيل آلامهم وأحلامهم بعودة رفات أبنائهم، ويتمسك المزارع بالدعاء كل صلاة: «أشكر يا الله على نعمك، وأدعو للحفاظ على بلدى وعلى بيتى والصبر لزوجتى والستر لابنتى والخير للقسيس والبركة دوما نأخذها من ذكرى الشهيد».
 

الحكاية الثالثة.. حب الوطن يُبقينا

بقدر ما كان نشر تفاصيل التحقيقات فى حادثة الذبح موجعة، لكنها حملت بشارة جديدة لأهالى الشهداء، فقد تضمنت اعترافات الإرهابى الليبى المقبوض عليه جزئية مهمة تمثلت فى أن شخصا يدعى «أبوالبركات» نقل الرفات فى سيارتين مغطاتين ودفنهم جنوب مدينة سرت، وفى 7 أكتوبر 2017 تابع ملاك الشقيق الأكبر لـ«الشهيد يوسف» الصور المنشورة لما قالت عنه وسائل الإعلام الليبية عملية استخراج رفات أقباط المصريين المذبوحين فى سرت!، وهنا اختلطت مشاعر الأسى مع الفرحة، وتبادر إلى ذهنه تساؤل: هل حان موعد الرجوع للوطن؟
 
وتذكر ملاك شكرى، المزارع البسيط، عندما كان الشهيد يوسف فى عمر الخمس سنوات، رحل والدهم وأصبح من وقتها هو المسؤول عن تربية يوسف وجميع أشقائه، وفى عام 2014 أدى الشاب العشرينى خدمته الوطنية وانطلق للسفر بحثًا عن رد الجميل لأسرته لا يهم ماذا يعمل؟ فالأهم بالنسبة له تأمين مصدر دخل يساعده فى بناء مستقبله. لا يلوم المزارع على نفسه السماح للشهيد بالسفر، فقد سبقه فى تجربة مماثلة بدولة الكويت، ثم عاد إلى الوطن مرة أخرى لرعاية الأرض التى رغم تأكيده أنها لا تعود عليه بالمكاسب المجزية.
 

الحكاية الرابعة.. اعذرونى قدمى مازالت تؤلمنى!

منذ شهرين أو أكثر لا يذكر على وجه الدقة عم سليمان شحاتة، والد الشهيد ماجد، عندما اصطحبه أهالى الشهداء من أجل إجراء تحليل الـ«DNA» لم يفهم ما يقصدونه، فأوضحوا له أنه إجراء لإعادة رفات الشهداء من ليبيا إلى المنيا، وكعادته هز المزارع الطاعن فى السن رأسه داعيا الله أن يكتب الخير على أى حال.
يميل عم سليمان للصمت أكثر، فقد تأثرت حاسة السمع منذ سنوات، لا يميل للجدل غير المفيد، فعندما أخبره الشهيد برغبته فى السفر، رفض فى بادئ الأمر، ومع إصراره تراجع عن موقفه، داعيا الله له بالتوفيق، ولم يكن يعلم وقتها أنه فى طريقه للحاق بوالدته التى توفيت منذ عامين. اعتاد والد الشهيد ماجد فى كل مشوار يرافق فيه أهالى الشهداء سواء لزيارة الكنائس أو الجهات الحكومية، ألا يردد سوى جملة «متعشمين فيك يا رب، الرفات ترجع تانى» ليطل عليها فى المزار بكنيسة شهداء الإيمان من وقت لآخر، ويؤكد أن نجله سيعذره أن لم يأت لزيارته فى مكانه الجديد، فقد اعتاد على الذهاب للكنيسة القديمة «العذراء»، لأنها قريبة منه وقدماه مازالت تؤلمه ولا يستطيع السير عليها طويلا.
 

الحكاية الخامسة.. فيلوباتير فى انتظار عودة أبيه!

حينما رحل الشهيد ملاك إبراهيم إلى ليبيا، ترك فليوباتير، نجله الوحيد، فى عمر العامين، لم تكن السفرية الأولى، فقد سبقها ثلاث رحلات للخارج بحثًا عن الرزق، لكن هذه المرة كانت الأخيرة، ولم يستمع وقتها لنداءات والده وتحذيرات أقاربه بضرورة عدم السفر، مثلما استجاب شقيقه الأصغر الذى كان لديه نفس الرغبة، إنما الشهيد اتخذ قرار الرحيل.
 
مضت الأيام وصار فيلوباتير ابن خمس سنوات يلهو ويلعب فى كل أرجاء القرية، ويتوجه إلى الكنيسة الجديدة دومًا، وهناك يردد «الشهداء راجعين»، ويقول لجده إبراهيم سنيوت الذى يعمل مزارعًا: «جدى لو طلت داعش هقطعهم»، ويرد الجد باسمًا وفرحًا بنباهة حفيده رغم صغر سنه: «ادعيلهم بالهداية يا فيلوباتير.. إحنا ما بنكرهش حد».. ويسعى الجد والأم دومًا لمداراة الحادثة وصرفها عن أذهان الطفل الصغير دون جدوى، لكنهم على ثقة أن حالة الصفاء والتعايش داخل القرية ستنمو بداخله كلما كبر. صباح يوم الأربعاء الموافق 14 مارس 2018، تلقت عائلة إبراهيم سنيوت بشرى سارة جديدة، فقد بلغهم نبأ موافقة النائب العام الليبى على طلب النائب العام المصرى باستعادة رفات شهداء مذبحة سرت من المصريين الأقباط، وجاءت سعادة الجد بأن حلم عودة الأب اقترب، خصوصا أن الحفيد سيدخل المدرسة العام المقبل، وسيكون فى حاجة إلى وجود روح أبيه بالقرب منه.
 

إلى الأب مقار.. «أبو الشهداء»

على مدى ثلاث سنوات اعتادت أسر الشهداء الذهاب إلى كنيسة العذراء للحديث مع الأب المقار، المعروف وسطهم بـ«أبو الشهداء»، يتساءلون عن موعد عودة الرفات، وهل هناك جديد؟ هل تطابقت عيناتهم مع رفات من عثروا عليهم فى ليبيا؟ دوما تجد كلمات قداسة الأب طريقها إلى قلوبهم، وتهدئ من روعهم ونفوسهم الحزينة على فراق الأبناء والإخوة والأصدقاء والأحباب، وصبرهم يأتيهم من احتسابهم شهداء عند الله.
 

 
 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة