رغم أننى مجرد «محب» للفن التشكيلى ولست دارسا له أو عالما بفنونه المختلفة ولا بمدارسه المتعددة، لكننى مع ذلك أستطيع بكل سهولة أن أتعرف على نساء الفنان التشكيلى العالمى موديليانى المولود فى إيطاليا 1886، فهن جميلات نحيفات ولهن أعناق طويلة.
حتما فكرت كثيرا من أين استوحى موديليانى فكرة العنق الطويل ليضيفيها لنسائه فى لوحاتهن الحزينات والرقيقات فى الوقت نفسه، حتى اكتشفت شغفه بمصر والحضارة المصرية القديمة.
عرفت ذلك مما ذكرته عنه الشاعرة الروسية الشهيرة «أنا آخماتوفا» التى ارتبطت فى فترة ما بالفنان فى باريس، ورسم لها نحو عشرين لوحة على الأقل، حيث تقول آنا عنه: «كان يبدو أنه يعيش فى حلقة من العزلة، لم يذكر أبداً اسم صديق، لم يتفكّه أبداً، لم يتحدث أبداً عن غراميات سابقة، أو عن أشياء دنيوية أبداً، كان مجاملاً بنبل، وكان ينحت تمثالاً فى فناء ملحق بالأتيلييه، وقد دعانى إلى لزيارته فى 1911، لكنى عندما ظهرت، لم يأت إلىَّ، وقد أخذنى إلى القسم المصرى بمتحف اللوفر، كان يحلم بمصر فقط «كل شيء آخر لا أهمية له»، وقد رسم رأسى بأسلوب ملكات الأسر المصرية القديمة».
بينما قالت مدونة «خواطر وأفكار» عن موديليانى أنه: «أخذ عن الإيطاليين الأوائل إنسانيتهم الروحانية وعن المتأخّرين منهم إعجابهم حدّ التقديس بجسد الأنثى وتصويرهم العميق للطبيعة الإنسانية، كما ورث عن اليونانيين نقاء وعظمة الشكل وبساطة ورمزية الشكل الأنثوى الأسطوانى، وعن الهنود الحسّية العالية وحركة الآلهة الهندوسية الراقصة، وعن المصريين هالة الآلهة والنبل الذى تعكسه ملامح الملكات».
إذن فإن العنق الطويل هو حكاية فرعونية، بكل ما فيها من نبل، ورغم أن التمثال النصفى لـنفرتيتيى تم العثور عليه سنة 1912 فى منطقة تل العمارنة، لكنه سرعان ما صار رمزا للجمال فى العالم، وحتما كان موديليانى متبعا لأخبار هذا الكشف المهم الذى أثار الجميع بجماله ومقاييسه.
لم يقض موديانى على هذه الأرض سوى 35 عاما فقط حيث رحل فى عام 1920، مات فقيرا فى غرفة بائسة فوق سطح إحدى البنايات القديمة. وبعد يومين من موته لحقت به صديقته التى كانت تصغره بتسعة عشر عاما بعد أن ألقت بنفسها من النافذة، لكن خلال هذه السنوات عرف الفنان كيف يترك أثرا لا يمحى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة