- قصة تحول التبغ من الاستخدامات الطبية إلى الكيف ودخوله مصر فى عهد محمد على.. ودور جمال عبدالناصر فى انتشار السجائر الرخيصة
- رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات: ارتفاع الدخل من ضرائب وجمارك التبغ وراء عدم زراعته فى مصر ونسبة تجارة السجائر تصل إلى 12%
تواصل «اليوم السابع» فتح ملف التبغ والتحديات التى تواجه الصناعة، حيث تشير الدراسات إلى أن جون رولف قد بدأ زراعة التبغ على نطاق تجارى بمستعمرة جيمس تاون فى ولاية فرجينيا عام 1612، حيث كان سكان العالم الجديد يزرعون النبات عندما اكتشفهم كريستوفر كلومبوس 1492.
ومع بداية القرن الـ17 تم إدخال الدخان الأمريكى إلى أوروبا بتشجيع من سير والتر رالى، وأصبح بندا رئيسيا فى التجارة مع إنجلترا من خلال المقايضة السلعية. وبلغ إنتاج التبغ عام 2017 نحو 4357 ألف طن، بانخفاض بلغت نسبته %2.8 ومن المتوقع انخفاض إنتاج عام 2018 بنسبة %2 عن عام 2017 حيث متوقع إنتاج 4267 ألف طن.
كما تآكل المخزون العالمى للتبغ عام 2017 بنسبة %23.5 مقارنة بعام 2016، وسط توقعات بانخفاض المخزون العام الجارى بنسبة %3.7 عن 2017، وفى الوقت نفسه يواجه التبغ حربا شرسة من عمليات التهريب التى تقدر سنويا بـ50 مليار دولار خسائر للشركات وللدوال بحسب مسؤل كبير فى شركة فيليب موريس العالمية، وسط توقعات بمنافسة قوية مع السجائر الإلكترونية التى تشهد إقبالا متزايدا فى بعض الدول.
يؤكد عدد من خبراء التبغ العرب، أن هناك صعوبات تواجه الصناعة نتيجة انتشار السجائر الإلكترونية وعمليات التهريب بجانب زيادة الضرائب المحلية على التبغ التقليدى، وانتشار مصانع «بير السلم» لتقليد الماركات.
وكشفت الجلسات الحوارية والنقاشية مؤخرًا بالدورة الخامسة لمنتدى «النيكوتين» العالمى لصناع التبغ، التى احتضنت فعالياته العاصمة البولندية وارسو، أن منتجات السجائر الإلكترونية وتحديدًا التى تعتمد على تكنولوجيات متطورة تُخفض من الأضرار الناتجة عن التدخين التقليدى، كما تحقق نموًا ونجاحًا ملحوظًا فى الأسواق العالمية والمحلية، الأمر الذى بات يؤشر إلى تغير كامل سيشهده مستقبل صناعة التبغ على مستوى العالم قد ينتهى إلى اندثار السجائر التقليدية التى تربعت على عرش التدخين لقرون طويلة.
ابراهيم امبابى
وفى هذا السياق، يقول إبراهيم إمبابى، رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات، لـ«اليوم السابع»، إن من التحديات التى تواجه التبغ التقليدى، هو انتشار أشكال جديدة للحصول على النيكوتين كبديل للسجائر التقليدية، والتى تعتمد على حرق التبغ ومن هذه البدائل تسخين التبغ دون حرقه، أو تسخين محلول يحتوى على النيكوتين، ومن هنا سعت الشركات لإنتاج نوعيات من السجائر ذات ضرر أقل، وبالتالى تم التوصل للسجائر الإلكترونية، والتى انتشرت سريعًا وتطورت بشكل كبير وفى زمن قياسى من حيث أشكالها الجذابة والطعم المختلف والجديد، حيث بلغ مدخنو السجائر الإلكترونية فى أمريكا 40 مليون مدخن بحسب بعض الإحصائيات، كما تلاحظ أن %95 من مدخنى السجائر الإلكترونية مدخنو سجائر تقليدية، معتبرًا أنها تحتاج لعشرات السنين للمنافسة الحقيقية.
وأشار إلى أن الخام الخاص يأتى من الخارج من عدة دول، ويمثل دخلا كبيرا لمصر من ضريبة القيمة المضافة ومن الجمارك، ويمثل ثانى دخل لمصر بعد قناة السويس، تم توريد 56 مليار جنيه للخزانة العامة فى 30 يونيو 2018.
ويرى «إمبابى» أن ارتفاع الدخل من ضرائب وجمارك التبغ، وراء عدم زراعته فى مصر، بجانب عدم ملاءمة المناخ المصرى إلا لنوع واحد فقط من التبغ من بين عشرات الأصناف، وبالتالى ستكون زراعته غير ذات جدوى اقتصادية.
وقال إن نسبة تجارة السجائر المهربة تصل إلى حوالى %12 من حجم سوق السجائر فى مصر، ما يتسبب فى خسائر للدولة تصل إلى مليارات الجنيهات، بجانب المصانع غير المرخصة التى تمثل تهديدًا أيضًا للشركات الكبيرة.
وأضاف «إمبابى» أن الشركات المصرية تستورد التبغ سواء الفرجينى أو البرلى من العديد من الدول، ويتراوح سعر الكيلو من 65 سنتا إلى 7 يورو، وبعد جمع التبغ فى الأراضى الزراعية يتم تجفيفه وتعبئته فى كراتين، أو أكياس «خيش» كبيرة ويتم التصدير ليدخل بعدها مرحلة التصنيع.
وأشار إلى أن الدراسات تؤكد أن المعروف أن التبغ نبتة قصيرة الأجل تعيش موسمًا واحدًا فقط، ويختلف طول الشتلة ما بين 1.2 و1.8 متر، فى حين تنتج الشتلة الواحدة حوالى 20 ورقة، كل منها بطول ما بين 60-75 سنتيمترًا وعرض بين 35-45 سنتيمترًا.
وحول سبب تسمية النيكوتين بهذا الاسم، قال «إمبابى» إن الاسم العلمى للتبغ هو نيكوتيانا، ومن هنا يأتى أصل تسمية نيكوتين والتى أطلقها العالم النباتى السويدى كارل لينيوس تيمنًا بجان نيكوت، السفير الفرنسى إلى البرتغال، الذى أرسل نبتة التبغ إلى قصر كاترين دو ميديشى فى العام 1559 لاستخدامها لأهداف طبية وفق ما هو منشور.
وأشار إلى أنه مع حلول العام 1600، كان التبغ قد تحول إلى منتجٍ مطلوب، حتى أنه استخدم شكلًا من أشكال العملات فى بعض بلدان أوروبا.
زراعات التبغ
بدوره، يقول ناصيف سقلاوى، المدير العام لـ«الريجى» إدارة التبغ والتمباك اللبنانى، إنه جار حاليًا عملية شراء محاصيل التبغ، حيث بدأنا بـ4424 مزرعة فى شمال لبنان و13508 مزارع فى مختلف مناطق الجنوب، على أن تستكمل فى مناطق البقاع فى وقت لاحق، موضحًا أن الكمية المنتجة من التبغ فى الجنوب تبلغ 5 ملايين كيلو، فيما يصل الإنتاج فى الشمال والبقاع إلى 3 ملايين كيلوجرام.
وأشار «السقلاوى» فى بيان لإدارة التبغ والتمباك، إلى أن إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية «الريجى» وقعت اتفاقًا مع الشركة اليابانية العالمية للتبغ «جابان توباكو إنترناشيونال» «JTI»، مؤخرًا، لتصنيع بعض منتجاتها فى مصانع «الريجى»، مما يرفع حجم السجائر الأجنبية التى تصنعها «الريجى» محليًا ليبلغ نحو 110 آلاف صندوق خلال العام 2019.
وأشار ناصيف سقلاوى، إلى أنه فى نهاية 2018، ستضاف 5 خطوط إنتاج إلى الخطوط الحالية للريجى، وستصبح لدى المؤسسة 10 خطوط إنتاج متكاملة.
كما أشار إلى أن «حصة السجائر الأجنبية المصنعة محليًا سترتفع إلى نحو 65 ألف صندوق سنويًا فى نهاية العام 2018، مع دخول شركة JTI خريطة التصنيع المحلى».
وحول العوائد التى يتم توريدها للدولة، قال إنه يتم تحويل نحو %7.5 من واردات الخزانة العامة للدولة، علاوة على أن التبغ يعيل نحو 25 ألف عائلة، ويتم إنتاج 23 نوعًا من السجائر.
وقال إن أهمية الصناعة تكمن فى دعم الاقتصاد وتحقيق تنمية مستدامة وخدمة المجتمع أيضًا، معتبرًا أن التهريب ما يزال يمثل خطرًا على الصناعة المحلية.
وكشف أن حملة مكافحة التهريب التى تنفذها الإدارة، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الإنتاجية لـ«الريجى»، أثمرا عن خفض نسب المنتجات المهربة فى السوق من %40 إلى %25، مما يحرم الدولة من عائدات تبلغ نحو 200 مليون دولار.
وحول عمليات التهريب، أعدت إدارة التبغ دراسة حول نسب تهريب السجائر إلى لبنان، وتبين أنها تصل لـ%14 من نسبة البضائع الموجودة فى السوق، والدليل على ذلك أنه خلال العام 2017 تم تحرير نحو 7000 محضر ضبط مهربات وحققت قرابة 7.7 مليارات ليرة لبنانية غرامات مالية تقدر بنحو 90 مليون جنيه مصرى.
وبدوره، يقول سامى بن جنات، المدير العام للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد فى تونس، فى تصريحات خاصة، لـ«اليوم السابع»، إن الصناعة تدر نحو %6 من إيرادات الحكومة التونسية سنويًا.
وأضاف أنه من المهم محاربة التهريب ومواكبة التطور فى الصناعة سواء بإنتاج السجائر الإلكترونية التى ما تزال منافستها ضعيفة لكن ربما تزيد مستقبلًا، أو السجائر الأخف ضررًا لتوسيع قاعدة المستهلكين، والحفاظ على الصناعة، مؤكدًا أن صناعة التبغ تدعم بقوة ميزانيات الدول فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح أن تونس تعمل من خلال 5 محاور أساسية تتعلق بأهمية زيادة الصناعة لميزانية الدولة، وأيضًا زيادة وتكثيف الإنتاج والحد من السوق الموازى، مع التوجه للمنتجات الجديدة.
وفيما يتعلق بالتهريب، قال إن تونس تكثف من جهودها مما خفض من حجم السوق الموازى من %42 عام 2011 إلى %25 حاليًا، كما شددت الرقابة على التهريب.
وأشار «بن جنات» إلى أن قطاع التبغ فى تونس من القطاعات الداعمة للخزانة العامة حيث تنتج الوكالة 700 مليون علبة سنوية محلية الصنع وتستورد 150 مليون علبة سجائر أجنبية.
وقال إن الوكالة لديها خطة استراتيجية لزيادة الإنتاج سنويًا، لاستيعاب السوق المحلية، مشيرًا إلى أن إدارة الوكالة تتلقى بصفة دورية قوائم لأصحاب رخص بيع للتبغ تبين أنها لا تستغل بصفة قانونية وتم سحبها من طرف السلطات، مع إشعار الوكالة بالامتناع عن تزويدهم.
وأضاف أنه بالنسبة للحلول الخاصة بزيادة الإنتاج فالحل يكمن فى دعم زراعة التبغ فى ولايات الشمال الغربى والجنوب للنهوض بالإنتاج المحلى، مشددًا أن نتائج التحاليل للسجائر المهربة الذى قامت به الوكالة أثبت أن أضرار السجائر المهربة تضاعفت 16 مرة مقارنة بالسجائر المحلية، ويمثل التهريب خطرًا كبيرًا على الصناعة.
مناشر التبغ
وحول ظاهرة التهريب عالميًا وما يتعلق بخسائر الصناعة من ظاهرة التهريب، قال مارك فاير ستون، نائب رئيس شركة فيليب موريس العالمية والمستشار العام للشركة، إن حجم الخسائر التى تتكبدها الحكومات من تجارة التبغ غير المشروعة تصل إلى 50 مليار دولار سنويًا.
وأضاف فى بيان له تلقى «اليوم السابع نسخة منه»، أن هذا المبلغ يمثل الضرائب التى كان من المفترض أن تحصلها الدول من التجارة المشروعة للتبغ.
وأكد فايرستون على الدور المحورى الذى يمكن أن يؤديه التعاون بين شركات صناعة التبغ والجهات المعنية بإنفاذ القانون والسلطات الحكومية فى التصدى لتجارة التبغ غير المشروعة.
وفى ذات السياق، خلصت دراسة منشورة أجرتها شبكة «كى بى أم جى» الدولية لمكاتب الاستشارة والتدقيق «بريطانيا» حول استهلاك السجائر المهربة بالجزائر والمغرب وتونس وليبيا «أن سيجارة من بين 4 سجائر تدخن فى تونس يتم تهريبها».
وكشفت الدراسة أن من بين 18 مليارًا و980 مليون سيجارة مستهلكة فى تونس توجد 4 مليارات و640 مليون سيجارة مهربة مما فوت على تونس عائدات ضريبية تعادل 219 مليون دولار.
وأشارت الدراسة إلى أن تدفق السجائر المهربة إلى تونس تراجع بنسبة %35 ما بين 2015 و2016 مدفوعًا بالسياسات التى اعتمدتها الحكومة لمكافحة التجارة الموازية والتهريب ومراقبة الشاحنات عبر الحدود.
نصرعبد العزيز
وبدوره، قال المهندس نصر عبدالعزيز العضو المتفرغ للشؤون الفنية بالشركة الشرقية «إيسترن كومبانى»، إن السجائر الإلكترونية تمثل تهديدا بسيطا، مقارنة بتهريب السجائر التى تدخل مصر خاصة من ليبيا، والتهريب كان فى أعقاب ثوره يناير من %25 إلى %30، وأصبح الآن تحت السيطرة بفضل جهود الجيش والشرطة، وأصبح الآن من5 -%7 من حجم الاستهلاك السنوى، لافتًا إلى أن السجائر الإلكترونية ما تزال محدودة الانتشار، ولا سيما أن «إدارة الأغذية والدواء» الأمريكية تدرس فرض حظر على العديد من السجائر الإلكترونية ذات النكهات فى متاجر التجزئة.
وقال إن هذا لا يقلل من ضرورة إجراء دراسات فى مصر للتعامل معها، خاصة أن السجائر الإلكترونية عالميًا تنمو بشكل كبير وملحوظ، حيث تزايدت هذه الصناعة منذ عام 2005 من مصنع واحد فى الصين لتصل فى عام 2017 إلى سوق عالمية تشمل 466 شركة.
وحول السجائر التقليدية، قال نصر عبدالعزيز، إنه فى سنة 1840 كان الفرنسيون أول من اخترعوا السجائر عندما قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق فانتشرت عادة شرب السجائر فى أوروبا، وانتقلت منها إلى مصر، موضحًا أنه فى سنة 1880 أدى تحسن نوعية ورق السجائر والميكنة لانخفاض سعرها، وانتشار ماركات كثيرة منها فى الأسواق.
وفى العصر الحديث، قال نصر عبدالعزيز، إنه فى مصر بعد ثورة 1919 أنتجت شركة سجائر محمود فهمى سجائر تحمل اسم «بيت الأمة 1919»، وكان له إعلان طريف كان شعاره فيه «السجائر التى يحبها الرياضيون».
وأنتجت شركة الاتحاد سجائر أم الدنيا للعمال، وسجائر عباس حليم ويكن باشا وهى للعظماء.
كما أنتجت شركة البستانى ماركات عديدة أهمها كان «نبيل»، وأنتجت شركة عبدالرحمن فهمى سجائر «الأمراء».
وقال «نصر» إن شركة «كيريازى فريريز»، تأسست فى 1873، على يد الأخوة لوانيس، إستاسيوس، وإيبامينونداس كيريازى، وعاونهما أخواهما جورج وديميتريس فيما بعد، وكان إنتاج المصنع من السجائر يتم تصديره إلى الشرق الأوسط وأوروبا.
واستكمالا لتطور الصناعة، قال عبدالعزيز، إنه فى فترة الخمسينيات والستينيات انتشرت سجائر «كوتاريللى» التى كانت تنتجها شركة «أطلس»، وسجائر«واسب» الفرجينية لشركة «وتكس»، وغمرت الشركتان إعلاناتهما بالفنانين، فظهر على إعلانات «واسب» فاتن حمامة، وأنور وجدى وزوجته ليلى مراد، كما احتلت فاتن حمامة أيضًا إعلانات «أطلس»، مع زوجها عز الدين ذو الفقار، وشاركتها بها الفنانة هدى سلطان.
وبعد تأميمها فى ستينيات القرن الماضى، كوتاريللى تحولت إلى شركة النصر للدخان التى انتجت «فلوريدا» و«نفرتيتى»، ثم اندمجت هى أيضًًا فى الشركة الشرقية.
ويتابع نصر عبدالعزيز، أنه بعد الثورة، وقرار التأميم للرئيس جمال عبدالناصر، كان أمام الأجانب فى مصر خياران، بحسب المعلومات المنشورة بهذا الشأن، إما التأقلم مع الوضع الجديد، أو الرحيل، وكان جوزيف ماتوسيان من هؤلاء.
ومن الطريف فى الأمر، أنه فى معرض للسجائر عام 1961، قابل «ماتوسيان» الرئيس عبدالناصر، والذى كان مدخنًا شرهًا لسجائر «كينت»، وقال لـ«ماتوسيان»، إنه لو أنتج سجائر مثل تلك التى يشربها من «كينت»، فإنه سيكون من عملائه، وكان رد «ماتوسيان»: Mr. President, your wishes are our orders، أى «طلباتك أوامر»، ليكون ذلك السبب ما جعل «ماتوسيان» ينتج ما يعرف حاليًا بالسجائر الأرخص والأكثر انتشارًا فى مصر، «سجائر كليوباترا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة