حينما تم توجيه سؤال للقائد الشهيد عبدالمنعم رياض: هل الإنسان يولد قائدًا بطبعه؟.. فأجاب: «إن القادة لا يولدون بل يصنعون.. يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة»، وهذا ما ينطبق حرفيًا على «الجنرال» محمود الجوهرى، قائد الأهلى الراحل وأشهر مدربى مصر على مر التاريخ، فهو يمتلك سجلاً حافلاً من الإنجازات سواء مع الأندية التى قام بتدريبها أو المنتخب الوطنى.
الأمر ذاته ينطبق على «المايسترو» صالح سليم رئيس النادي الأهلى الراحل الذى نجح أن يكون إحدى العلامات البارزة فى تاريخ الأهلى والكرة المصرية على مدى أكثر من نصف قرن قضاها بين جدران «البيت الأحمر» ما بين لاعب وإدارى ورئيس للنادى منذ انضمامه إلى الناشئين عام 1944 حتى وفاته فى 6 مايو 2002، فقد أرثى معانى المبادئ والإخلاص والعطاء واتخاذ القرارات الحاسمة.
إذا تحدثت عن «الجنرال"، فلن تجد كلامًا يوصف مدى علاقة العشق بينه وبين جماهير الكرة المصرية بمختلف إنتماءاتها ، ولن تجد كلامًا يحاكى رجلاً يجيد لغة التعامل مع الساحرة المستديرة، فهو أحد أشهر من ظهروا بالوسط الرياضى، ونفس الحال مع "المايسترو".
"المايسترو» و«الجنرال».. الاثنان جمعتهما صداقة وطيدة خلال فترة لعبهما بالأهلى، وحكايات خاصة بهما داخل وخارج الملعب، ومن أطرف المواقف بينهما كان خلال مباراة الأهلى والمنيا بدورى موسم 1962، عندما حصل الفريق الأحمر على ضربة جزاء، وقرر الجهاز الفنى آنذاك أن يقوم بتسديدها صالح سليم، فى الوقت الذى كان يرغب فيه الجوهرى القيام بالمهمة، وبعدها فاجأ «المايسترو» الجميع وبدلاً من أن يسدد الكرة داخل المرمى قام بتمريرها إلى «الجنرال» الذى أودعها الشباك، وتنتهى المباراة بفوز الأهلى 5/0،وكان هذا الموقف ترسيخًا على مدى علاقة الحب والصداقة، وإنكار الذات بين الاثنين.
دارت الأيام، وانتهى مشوار صالح سليم والجوهرى داخل ساحة المستطيل الأخضر، لكن صداقتهما أبدًا لم تنته، واتجه كل منهما إلى العمل الذى يجيده، لكن جاء اللقاء بينهما مجددًا ليعزفا أجمل الألحان فى التعاون سويًا داخل الأهلى، حيث استعان «المايسترو»- الذى كان يترأس النادى آنذاك- فى عام 1982 بخدمات «الجنرال» كمدير فنى للقلعة الحمراء، واستمر لمدة موسمين حقق خلالهما لقب كأس مصر مرتين، ولقب بطولة كأس الأندية الأفريقية للأبطال للمرة الأولى فى تاريخ النادى، لكنه لم يحصد لقب الدورى، حيث احتل المركز الثالث فى الموسم الأول بعد المقاولين العرب «البطل»، والزمالك «الوصيف»، وحل وصيفًا فى الموسم الثانى بعد الزمالك، وبعدها خاض تجربة تدريبية جديدة فى نادى الشارقة الإماراتى، لكنه سرعان ما عاد للأهلى فى صيف 1985 بعد اتصال من صديقه صالح سليم ليبدأ موسم الإعداد للموسم الجديد خلفًا للكابتن محمود السايس.
علاقة الصداقة بين صالح سليم والجوهرى انتهت بشكل دراماتيكى، حيث بدأت الأزمة بينهما بسبب إصرار «الجنرال» على اصطحاب محمد عباس، مهاجم الأهلى وقتها، فى معسكر الفريق بألمانيا، وكان اللاعب مغضوبًا عليه من مجلس الإدارة الذى أعلن شطبه بسبب تكرار عدم التزامه فى التدريبات.. ولمن لا يعرف محمد عباس، فهو رأس حربة من الطراز الأول، قوى بدنيًا، أسمر اللون، هداف بالفطرة، وشكّل ثنائيًا خطيرًا مع محمود الخطيب «بيبو»، لكن كما يقولون «الحلو ما بيكملش»، خاصة أنه لم يكن لاعبًا ملتزمًا، وتميز بالغياب الدائم عن التدريبات، والتف حوله رفقاء السوء، وأعطاه مجلس الإدارة أكثر من فرصة، لكنه لم يستغلها، واستمر على نفس المنوال، حتى وصل به الحال فى نهاية المطاف للقبض عليه من جانب قوات الشرطة بسبب تعاطى المخدرات.
نعود إلى أسباب شرارة الأزمة بين «المايسترو» و«الجنرال»، فمع إصرار الأخير على منح عباس فرصة جديدة، كان الأول مصرًا على موقفه، وهدد الجوهرى بعدم السفر مع الفريق إلى معسكر ألمانيا بدون عباس، وكان رأى هانى مصطفى، مدير الكرة، متوافقًا مع رأى المجلس، مما أغضب المدير الفنى الذى يرى أنه يتعامل مع الموقف بشكل فنى وليس إداريًا، وأنه قادر على ترويض اللاعب والاستفادة منه، ووجد كمال حافظ، وكيل النادى خلال تلك الفترة، نفسه فى مأزق أمام إصرار الجوهرى، خاصة أن صالح سليم كان فى «لندن» لإجراء فحوصات طبية، فاتخذ وقتها قرارًا على مسؤوليته بسفر اللاعب، لكن القدر تدخل وقتها ولم تنته إجراءات سفره قبل موعد السفر، فسافرت البعثة على أن يلحق بها عباس بعد اكتمال الإجراءات، غير أن مجلس الإدارة لم يوافق على إلغاء قرار الشطب، وبالتالى لم يسافر عباس لألمانيا، وحينما علم الجوهرى بالأمر انتابته ثورة غضب، واتصل بالمايسترو الذى أكد له ضرورة احترام مبادئ النادى، وتنفيذ قرار المجلس.
الأمور ازدادت تعقيدًا بعد عودة الجوهرى من ألمانيا، عقب اتصال حسن حمدى رئيس النادى الأهلى السابق الذى كان وقتها عضوًا بالمجلس بالجنرال للاطمئنان على استعدادات الفريق للقاء الزمالك فى دور الثمانية بكأس مصر، حيث ثار المدير الفنى معلنًا رفضه التدخل فى شؤون عمله، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقام فى اليوم التالى بتقديم استقالته، فرد حسن حمدى بالاجتماع مع اللاعبين ليخطرهم باستقالة الجوهرى، وأن هانى مصطفى مدير الكرة سيتولى مسؤولية الإدارة الفنية مؤقتًا، وبعدها اتجه اللاعبون إلى منزل مديرهم الفنى ليبلغوه بما حدث، وفور علم الجوهرى بكلام حمدى، قام بتصعيد الأزمة إعلاميًا، وهنا كانت النقطة الفارقة فى تصدع العلاقة بين «المايسترو» و«الجنرال»، لاسيما أنه ما حدث يتنافى مع مبادئ القلعة الحمراء وفقًا لرؤية رئيس النادى الذى أوصى بتوزيع بيان باسم المجلس لتوضيح أسباب الأزمة.
كانت المفاجأة وقتها هى تضامن اللاعبين مع الجوهرى، ودخل 16 لاعباً معه فى معسكر بمصر الجديدة استعدادا للزمالك، وهم: زكريا ناصف وحسام البدرى وضياء السيد وهانى عبداللطيف وأسامة عرابى ومحمد عامر وشريف عبدالمنعم ومدحت رمضان وخالد جاد الله ومختار مختار ومحمد حشيش وماهر همام ورمضان السيد وحمدى أبو راضى وسمير فوزى وأيمن شوقى، وذلك فى الوقت الذى كان فيه اللاعبون الدوليون وهم ثابت البطل ومحمود الخطيب ومجدى عبدالغنى وعلاء ميهوب وطاهر أبوزيد ومصطفى عبده وإكرامى وأحمد شوبير ومحمود صالح وربيع ياسين مع المنتخب فى المغرب للقاء «أسود الأطلسى» فى مباراة العودة بتصفيات كأس العالم 1986، إلا أنهم بعد علمهم بالأمر أعلنوا تضامنهم مع زملائهم ومدربهم.
تصاعدت الأحداث، مع رفض صالح سياسة «لى الذراع»، واتخذ المجلس قرارا بإيقاف الستة عشر لاعباً، واستعان بفريق الناشئين الذى كان يلعب بين صفوفه التوأم حسام وإبراهيم حسن لمواجهة الزمالك المكتمل بنجومه على رأسهم «الدبابة البشرية» كوارشى، وكانت المفاجأة بفوز ناشئى الأهلى بنتيجة 3/2، وبعدها انتهت علاقة صالح سليم والجوهرى للأبد بعد أن رفض الثنائى جميع محاولات الصلح، واستمرت حالة القطيعة حتى توفى المايسترو فى عام 2002، ورغم ذلك فإن الثنائى لم يتلفظ أحداً منهما بلفظ خارج ضد الآخر مثلما يحدث فى وقتنا الحالى على الفضائيات، فهما رغم الخلاف كانا يحترمان بعضهما البعض، نحن حالياً نفتقد هذه الحالة التى تجسد المعنى الحقيقى لعشق العمل والتمسك بالمبادئ، فنحن فى أمس الحاجة إليهما الآن.
حقا إنهما وجهان لعملة واحدة ونادرة، إذا كان «المايسترو» قائدًا فى الإدارة، فإن الجوهرى قائد محنك فى التدريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة