توصّلنا إلى أنَّ المحبة أعظم مناهج الاقتداء، فكلما امتلأت القلوب بالمحبة ارتبطت بذات المحبوب كليًّا وأعانت على الفهم والتصرف اقتداء به.
لهذا ردَّ سيدنا رسول الله على سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال: «لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلّا من نفسي»، بقوله: «لا والّذى نفسى بيده، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك»، فَقَالَ عُمَرُ: «فَلأَنْتَ الآنَ، وَاللهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «الآنَ يَا عُمَرُ». وقال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
فهل النبيُّ بحاجة إلى محبتى له؟
بالطبع لا؛ وإنما ذلك لكون هذا المعنى الاختيارى من المحبة يجعلنى أقدم الأخذ بهدى المحبوب وحاله على حال نفسى، فأكون معه فى ارتقاء آدميتى وإنسانيتى.
ماذا يثمر حب المرء لرسول الله؟
يثمر الوقوفَ على أعلى مراتب حبِّ الله عزَّ وجلَّ وأرقى نظرة للكون بصلته بخالقه؛ فقوة الرابطة بالإنسان الكامل تجعل صلتى بالله تعالى وبكليات الوجود والكون من سبيله وبمنظوره هو.
لأن الحبَّ عندما يملك على الإنسان شغاف قلبه لا يرى فى المحبوب إلا كلَّ جميل؛ حتى لو كان يعتريه نقص، كما أنشد قيس بن الملوح:
يقول لى الواشون ليلى قصيرة.. فليت ذراعًا عرض ليلى وطولها
فكيف إذا كان الحب متصلًا بمن وصفُه الكمال المطلق جلَّ جلاله؟
كيف كانت نظرة رسول الله للوجود؟
كانت بالتأكيد نظرة محبة، وذلك أنَّ مَنْ أَحَبَّ أحدًا أَحَبَّ صنعته، ومَنْ أَحَبَّ الله أَحَبَّ خلقه، ومَنْ تهاون بالعبد فذلك مِنْ قِلَّة معرفته بالسيد. فلا تنظر إلى الخلق إلا بعين الرحمة؛ ربُّه الرحمن الرحيم، ونبيُّه الرؤوف الرحيم، الذى أُرسل رحمة للعالمين.
يروى عن الإمام الحسن بن صالح البحر أنه رأى فى المنام كافرًا يقول له: أتحبنى؟ فقال: نعم. قال: أتعلم أنى كافر وتحبنى؟ قال: نعم عبد ربى، عبد ربى.
أنا لا أكرهُ ذاتك، أحب فيك أنك صنعة ربى.
عندما قلتُ إنّى أحبُّ كل ما خلق الله؛ قيل أتحب غير المسلمين؟
نعم أنا أحبُ المسيحى واليهودى والبوذى والهندوسى، وأحبُ حتى الملحد.
بل أقول أكثر من هذا: أحبُ كلَّ ذرة خلقها الله سبحانه وتعالى.
وأرى أنّ هذا دين أتقرب به إلى الله تعالى.
وأرى أنّ هذا يحيى آدميتى وإنسانيتى.
وأرى أنّ هذا يجعل تدينى متصلًا بسرِّ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
إذا كنتُ أكره الكافر؟ فكيف أدعوه إلى الإسلام وأنا أبغضه؟
حتى لو أساء إليَّ، أو اجترأ على ديني؟
نعم.. فأنا أكره فيه إساءته وأدافع عن دينى بما يستحقه المقام، لكنى لا أبغضه هو، لماذا؟
ببساطة هب أنه أسلم فى يوم من الأيام أكنتَ تحبه؟ ستقول: نعم فهو أخى فى الدين؟
إذن أنت لم تكن تكرهه لذاته، بل كنت تكره فيه حال كفره أو معصيته أو عدوانه!
لكن هل يقدر كل الناس على تلك الحالة من المحبة؟
كيف تطالب من يموت أحباؤهم أمام أعينهم جراء قذائف منهمرة أو رصاصات غدر أو أحزمة ناسفة فى سورية وفلسطين والعراق وغيرها بأن يحبوا هؤلاء المجرمين؟
أقول: ليس لدى كل البشر طاقة لذلك، لكنهم يقرون فى أنفسهم أنّ هذا سيكون حالًا أرقى؛ لأنه بدون هذا الحال حتى الجهاد فى سبيل الله لا يكون حقيقيًّا عندما لا يكون رجوعهم إلى الحق أحبَّ إليك من انتصارك عليهم وقتلهم جزاء وفاقًا لما فعلوه بك.
هذا الحال جعل سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يدعو لسارقه فيقول: «اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها؛ وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه».
أنت الآن غير ملوم، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن ثق بأنَّ لديك قابلية لأن تكون أفضل وأرقى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة