عنوان «الإنسانية قبل التدين»، له وقع فى النفس
إذ قد يتساءل البعض كيف تكون الإنسانية قبل الدين؟
أولًا نحن لم نقل الإنسانية قبل «الدين»، بل الإنسانية قبل «التدين» فلا شىء قبل الدين فى حياة الإنسان؛ وآدم - عليه السلام - لما أُهبط إلى الأرض أُهبط بدينه..
ما هو التدين؟
هو أخذ الإنسان بدين الله عز وجل اعتقادًا فى قلبه وفهمًا لمحتوى هذا الدين، وسلوكًا فى التعامل مع الخَلق ومع الكون، الذى يحيط به من خلال فهمه لتديّنه.
فالمتدين بصدق يفهم الدين كما ينبغى، يأخذ الشرع بإخلاص طلبًا لرضوان الله، محاولًا تقليص تأثير أهوائه على فهمه لهذا الدين، يدرك حقائق الخلافة عن الله تعالى على وصف التواضع والانكسار، أما إذا كان فى الإنسان نقص أو اعوجاج فى إنسانيته أثّر هذا النقص والاعوجاج على تدينه، مغالاة أو مجافاة، كيف يمكن لإنسان متدين بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ.. إذا تعامل مع الناس أهلك الحرث والنسل.
وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا
وَقَذَفَ هَذَا
وأَكَلَ مَالَ هَذَا
وَسَفَكَ دَمَ هَذَا
وَضَرَبَ هَذَا
وماطل فى أداء حقوق الآخرين؟!
لماذا لم يظهر التدين بالمعنى الموافق للدين هنا؟
أو بالأصح لماذا ظهر شكل التدين هكذا؟
لماذا نجد أناسًا يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن
تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم..
لماذا يسهل عليهم أن يقتلوا بريئًا من البشر؟!
أن يتقبلوا فكرة دخولهم الجنة عبر قتل النساء والأطفال!
كيف يمكن لإنسان أن يستوعب أو يتقبل أو يصدق أن الله سبحانه وتعالى سيرضى عنه، فى ارتكابه جرائم شنيعة أولها قتل نفسه انتحارا؟
كل هذا نتيجة الاعوجاج وعدم الفهم الصحيح للدين يقينًا، لكن هناك صلة بشىء أعمق، هى آدميته وإنسانيته؛ لأن الوعاء إذا كان غير نقى ملوثًا بأدران وأوساخ تلوث ما صببته فيه بها،
والإنسانية هى وعاء تدين الإنسان.
من أين جئت بهذا؟
من قوله عز وجل: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ««العنكبوت: 49» فلم يقل «فى سطور»، فالإيمان يستقر فى قلب الإنسان ودون قلب إنسان لا يكون هناك استقرار حقيقى لإيمان؛ مهما كانت صور العبادات، التى يقوم بها، ولهذا جاء فى الحديث الصحيح، أن رجلًا من البادية جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بداية البعثة
فقال له الأعرابى: مَا أَنْتَ؟
فَقَالَ: نَبِىٌّ،
فَقُلْتُ: وَمَا النَّبِيُّ؟
فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ،
فَقُلْتُ: وَمَنْ أَرْسَلَكَ؟
قَالَ: اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ،
قُلْتُ: بِمَاذَا أَرْسَلَكَ؟
فقال له النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - إجابة تأملوها!
لأننا عندما نعُد أركان الإسلام ماذا نقول؟
الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج، لكن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما أجاب هذا الأعرابى انظروا كيف رتب المسألة!
لأنها المقصودة بذكر هذا الحديث الآن:
بِأَنْ تُوصَلَ الأَرْحَامُ، وَتُحْقَنَ الدِّمَاءُ، وَتُؤَمَّنَ السُّبُلُ،
وَتُكَسَّرَ الأَوْثَانُ، وَيُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْئًا.
قُلْتُ: نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ، وَأُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ آمَنْتُ بِكَ، وَصَدَّقْتُكَ».
لكن لماذا قدّم النبى صلى الله عليه وسلم فى التعريف بالإسلام هذه المعانى الإنسانية قبل التدين وقبل الاعتقاد؟
هذا ما سيكون حديثنا - أن شاء الله عز وجل - فى المقال المقبل من توضيح معنى الإنسانية قبل التدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة