إن حاجة الأفراد والجماعات فى تمثُّل القيم والأخلاق الإنسانية عبر الاقتداء يقودنا إلى التعرف على مبررات ودوافع الانقياد للصور الذهنية لبعض لرموز الإنسانية عموماً.
ذلك لأن الانقياد قد يحدث لإعجاب وإكبار، أو للشعور بتوافق الرؤى والمصالح، فنجد كثيراً من الشباب، لكامن دافع النجاح والمغامرة، يعجبون برموز الفن والكرة والعلم، فيحاولون الاقتداء بهم حتى فى أمور ليست لها علاقة مباشرة بجوانب القدوة كالزى والهيئة وأسلوب الحياة.
وهو ما قامت عليه فلسفة الإعلانات والدعاية ابتداء من فرويد من استغلال الدوافع الإنسانية عبر إيهام المستهلك بالحاجة إلى بضاعة لم تنتج بعد، وإقناع الناس بطريق العقل الجمعى بضرورة شراء أشياء لا حاجة حقيقية لهم بها؛ فتتكدس وتكثر النفايات بما تحمله من دلالات تضييع معانى الإنسانية.
إلا أن المحبة عن بصيرة هى أعظم أسباب الاقتداء التى تتفوق فى سلطانها على غرائز الغضب والكراهية والطمع لأنها من صميم آدمية الإنسان، ولأن الحق عز وجل سمى نفسه الودود؛ أى الذى تفيض محبته على من يحب فيصلهم معناها وآثارها.
والإنسان يحب إما لكمال إذا رأى فى غيره مظهراً من مظاهر الكمال البشرى، أو لجمال فى الهيئة والصورة الحسية والأخلاق، أو لإحسان إذ جُبِلَت القلوب على حُب من يحسن إليها، وقد أفضنا فى شرح ذلك فى أكثر من موضع.
وسيدنا صلى الله عليه وآله وسلم كما فى الشمائل النبوية الشريفة، هو مظهر جميع الكمالات الإنسانية ومظهر الجمال الإلهى فى الوجود فى صورته.. فى بسمته.. فى مشيته.. فى كلامه.. فى تعامله.. فى أخلاقه..فى ثباته على قِيَمِه صلى الله عليه وسلم.. فى شجاعته وقوَّته ونُصرته للحق فى مواطن القوة..فى حُسن تواصله مع من حواليه.
ولهذا أقول للشباب: لا تقرأوا السيرة النبوية قبل أن تقرأوا الشمائل والخصائص النبوية، لأن فى سبق قراءة السيرة تعرف على تعاملات وتصرفات قد تجهلون خصائص صاحبها، خاصة أن غالب السيرة ركزت على جوانب القتال والمغازى، وهى أمور مهمة لن نخجل منه.
لكن الشمائل تُعرّفَكم وتُعَرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم..عندما نقرأ السيرة بمنظور الشمائل تعرفنا على أوجه الكمال والجمال، كما توقِفْنا على الإحسان الذى وصل إلينا به صلى الله عليه وسلم.
فهذه المحبة إذا رسخت فى القلوب صارت صمام أمان الحفاظ على إنسانيتنا فى حالات طيش الغرائز كالغضب، إذا تذكر الإنسان وقتها أن قدوته وحبيبه كان يعفو عمن ظلمه ويقابل الإساءة بالإحسان ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إلا أن تنتهك حرمات الله، فإذا ضُيّع حقّ الله لم يقم لغضبه شىء.
كذلك الحزن الذى قد يدفع الإنسان إلى الاكتئاب والقنوط تخف وطأته كثيراً عندما يتذكر المحب كم حزن صلى الله عليه وسلم، وكيف توجه الحزن عنده إلى مفهوم الرحمة؛ فكان يقوم بالليل مناجياً ربه فى طلب خلاص هؤلاء الذين أحزنوه، فكان متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة، حتى أشفق عليه ربه وقال: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا».
حتى حالات الفرح يجب أن ترتبط بمعانى فرحه صلى الله عليه وسلم، حتى لا تشطح بنا انفعالات الابتهاج فتغيب جوانب الإنسانية. فحبى له يربط قلبى بقلبه الشريف وأجعله نصب عينى أغالب به أهواء نفسى وأنتصر لإنسانيتى.
هل نحن بالحب نتحدث عن عالم متوهم غير واقع القتل والتعدى وانتهاك الحرمات فى كل بقاع الأرض؟ نعم أكلمكم عن الحب لأنه لولا الحب ما حدث هذا!!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة