تلألأت دموع الفرحة فى عينيها الجميلتين، بعدما تلقت هذه الرسالة (الرجاء الحضور غدا لعمل كاستينج لإعلان).. نهضت صاحبة الجسد الممشوق، والشعر الأسود، والملامح البريئة، نهضت لتجهز أجمل فساتينها، ونامت تحتضن الأمل فى بداية ظهورها على الشاشة فى رمضان.. ذهبت وتأخرت ثم عادت والصمت يخيم عليها، بعدما أخذوا طاقتها الإيجابية، وأهدوها بدلا منها طاقة سلبية.. لقد تم رفضها فى الإعلان، لأن صورتها الجميلة، لا تتناسب مع صورة من سيجسد دور زوجها فى الإعلان، فهو رجل بكرش وأصلع و...و... ولم يبحثوا لها عن رجل يناسبها، ولكن يبحثون عن فتاة تناسبه.
عزيزى القارئ.. لم تكن الحكاية السابقة لتأخذك لعالم الأطفال أو الخيال، ولكنها حكاية واقعية لا يمكن لعلم النفس الاستهانة بأبعاد تأثيرها اللا شعورية على الصحة النفسية للمشاهد.
يستمر التليفزيون محتلا جزءا كبيرا من أوقات الناس فى رمضان. ومؤخراً أصبحت الإعلانات الرمضانية موضعا للتأثير على المشاهدين، بعدما تنوعت أفكارها وطريقة عرضها. فلم تعد كفواصل يستغل المشاهد وقتها فى القيام بعمل ما يحتاجه بعيداً عن التليفزيون.
ومن خلال متابعة علم النفس لردود فعل الجماهير لاحظ انتشار حالة من النفور تجاه مجموعة من الإعلانات، لما يحتويه بعضها من مشاهد مثيرة للاشمئزاز. والبعض الآخر مشاهد خاصمت الحياء كإعلانات الملابس الداخلية للرجال.. إلخ، ولكن ثمة أمر مهم اشتركت به معظم الإعلانات الرمضانية هذا العام، وهو (صورة الرجل المصرى فى الإعلانات)، حيث تقدم معظم الإعلانات الرجل بـ"كرش"، وهذا ما أثار علم النفس للفت الانتباه بكتابة هذا المقال، خوفاً على انتقال هذه الصورة عن طريق حاسة البصر إلى العقل الباطن للمشاهد، وتحولها مع تكرار الإعلان لصورة ذهنية عالقة بشكل لا إردى بداخله، وبالتالى يسهل عليه أن يكون بهذه الصورة فيلحق الضرر بالصحة البدنية والنفسية لذاته دون أن يعلم .
عزيزى القارئ.. إن الصورة الذهنية تصل للعقول عن طريق حواس الإنسان، وقد يطردها الإنسان مرة من المرات، ولكنها تتكرر أمامه مرة أخرى، فيحاول البعد عنها، فتتكرر.. وهكذا إلى أن يمكنها الاستيطان فى عقله الباطن بالتكرار، وتظهر فيما بعد فى أفكاره وطريقة معاملته مع حياته والآخرين.
إذن لا بد من التعمق فى التحليل الآتى:
الصور الذهنية فى علم النفس تتنوع ما بين: صورة حالية وهى صورة الرجل المصرى فى أذهان الناس (الواقع) أن عددا لا يستهان به بالفعل بكرش.. وصورة مرغوبة: وهى التى يريد الإعلان أن يكونها فى ذهن الجماهير (الواقع المعاكس)، أى أنه يوجد عدد مقبول أيضا من الرجال المصريين بدون كرش.. الصورة المثلى: وهى أمثل صورة من الممكن ان تتحقق (التمنى).. وصورة متعددة: وتحدث عندما يقدم كل إعلان صورة مختلفة عن الرجل المصرى.
إذن مما سبق نلاحظ أن ليس كل الإعلانات على الشاشة قدمت الرجل المصرى بكرش ولكن أغلبها، إذن إن كثرت هذه الإعلانات وكثرة تكرارها، يتوقع علم النفس أن يستخدم أصحاب الكرش هذه الصور كحيل دفاعية للدفاع عن عدم اهتمامهم بالرياضة أمام زوجاتهم فيما بعد والآخرين، وقد تكون عامل إحباط للرجال المهتمين بالرياضة، ولا يجدون فرصهم للعمل فى الإعلانات.
وبالتالى علم النفس يؤكد ضرورة الاهتمام بتقديم الصور الذهنية المثلى على الشاشة فى الإعلانات بالتحديد، فهى ليست دراما أو سينما لتقول إنها تعكس الواقع. ولكنها من المفترض أنها خلقت لتقدم أفضل ما لديها للترويج للمنتج المطروح بالأسواق .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة